للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجصاص: "الميتة في الشرع: اسم حيوان الميت غير المذكى، وقد يكون ميتة بأن يموت حتف أنفه من غير سبب لأدمي فيه، وقد يكون ميتة لسبب فعل آدمي إذا لم يكن فعله على وجه الذكاة المبيحة له" (١).

و{الدم}: "أراد به الدم الجاري، يدل عليه قوله عز وجل: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] مقيد، وهذه الآية مخصوصة بالسنة" (٢).

قال ابن عثيمين: " و «الدم» معروف؛ والمراد به هنا الدم المسفوح دون الذي يبقى في اللحم، والعروق، ودم الكبد، والقلب؛ لقوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: ١٤٥] " (٣).

قال الراي: وأما {الدم}: فكانت العرب تجعل الدم في المباعر وتشويها ثم تأكلها، فحرم الله الدم" (٤).

و(الخنزير): "حيوان معروف قذر؛ قيل: إنه يأكل العذرات" (٥).

قال الواحدي: "أراد الخنزير بجميع أجزائه، لكنه خص اللحم لأنه المقصود بالأكل" (٦).

وقد اختلفت القراءة في قوله تعالى: {الْمَيْتَةَ} [البقرة: ١٧٣]، على وجهين (٧):

أحدهما: {الْمَيْتةَ} بالتخفيف، ومعناه فيها التشديد، وهي لغة: مثل: هين وهين، ولين ولين، وكما قال الشاعر (٨):

لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ ... إِنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ

فجمع بين اللغتين في بيت واحد، في معنى واحد (٩).

قال الزجاج: " والأجود في القراءة: {الميتة}، بالتخفيف" (١٠).

والثاني: {الْمَيّتَةَ}، بالتشديد، قرأ بها أبو جعفر (١١) في كل القرآن، وحملوها على الأصل، وقالوا: إنما هو (مَيْوِت)، (فيعل)، من الموت، ولكن (الياء) الساكنة و (الواو) المتحركة لما اجتمعتا، و (الياء) مع سكونها متقدمة، قلبت (الواو) (ياء) وشددت، فصارتا (ياء) مشددة، كما فعلوا ذلك في (سيد وجيد)، قالوا: ومن خففها، فإنما طلب الخفة، والقراءةُ بها على أصلها الذي هو أصلها أولى (١٢).

قال الطبري: "الصواب أن التخفيف والتشديد في (ياء) (الميتة) لغتان معروفتان في القراءة وفي كلام العرب، فبأيهما قرأ ذلك القارئ فمصيب، لأنه لا اختلاف في معنييهما" (١٣).


(١) أحكام القرآن: ١/ ١٣٢.
(٢) تفسير الثعلبي: ٢/ ٤٤.
(٣) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٥٠.
(٤) مفاتيح الغيب: ٥/ ١٩٢.
(٥) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٥٠.
(٦) التفسير البسيط: ٣/ ٤٩٨، وانظر: مفاتيح الغيب: ٥/ ١٩٢.
(٧) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢١٦ - ٢١٧، وتفسير الطبري: ٣١٨ - ٣١٩.
(٨) البيت لعدي الرعلاء الغساني، والرعلاء أمه، انظر: الأصمعيات: ٥، ومعجم الشعراء: ٢٥٢، وتهذيب الألفاظ: ٤٤٨، واللسان (موت) وحماسة ابن الشجرى: ٥١، والخزانة ٤: ١٨٧، وشرح شواهد المغني: ١٣٨. من أبيات جيدة صادقة، يقول بعده:
إِنَّمَا المَيْتُ مَنْ يَعِيشُ ذَلِيلاً ... كَاسِفًا بَالُهُ قَلِيلَ الرّجَاءِ
فَأُنَاسٌ يُمَصَّصُونَ ثِمَادًا ... وَأُنَاسٌ حُلُوقُهُمْ فِي المَاء
الثماد الماء القليل يبقى في الحفر. وما أصدق ما قال هذا الأبي الحر.
(٩) انظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٤٢.
(١٠) معاني القرآن: ١/ ٢٤٣.
(١١) انظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٤٣.
(١٢) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣١٩، وتفسير الثعلبي: ٢/ ٤٢.
(١٣) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣١٨ - ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>