للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢]، أي" إِن كنتم تخصونه بالعبادة ولا تعبدون أحداً سواه" (١).

قال الطبري: أي: "إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين" (٢).

وقد ذكر الرازي لهذه الآية ثلاثة أوجه من التفسير (٣):

أحدها: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} إن كنتم عارفين بالله وبنعمه، فعبر عن معرفة الله تعالى بعبادته، إطلاقا لإسم الأثر على المؤثر.

ثانيها: معناه: إن كنتم تريدون أن تعبدوا الله فاشكروه، فإن الشكر رأس العبادات.

وثالثها: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} الذي رزقكم هذه النعم، {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه سبحانه المنعم لا غيره.

قال الواحدي: " أراد: إن كانت العبادة لله واجبة عليكم بأنه إلهكم، فالشكر له واجب بأنه محسن إليكم، فمعنى الشرط هاهنا: المظاهرة في الحجاج" (٤).

قال قتادة: " كرامة أكرمكم الله بها، فاشكروا لله نعمته" (٥).

و(العبادة) هي: التذلل لله عز وجل بالطاعة؛ وذلك بفعل أوامره، واجتناب نواهيه؛ مأخوذة من قولهم: طريق معبَّد - يعني مذللاً للسالكين -؛ يعني: إن كنتم تعبدونه حقاً فكلوا من رزقه، واشكروا له (٦).

قال البقاعي: "ولما كان الشكر لا يصح إلا بالتوحيد علقه باختصاصهم إياه بالعبادة فقال: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ}، أي وحده، {تَعْبُدُونَ}، فإن اختصاصه بذلك سبب للشكر، فإذا انتفى الاختصاص الذي هو السبب انتفى الشكر، وأيضاً إذا انتفى المسبب الذي هو الشكر انتفى الاختصاص لأن السبب واحد، فهما متساويان يرتفع كل واحد منهما بارتفاع الآخر" (٧).

قال الإمام الطبري: وأن هذه الآية "تأكيد للأمر الأول، وخص المؤمنين هنا بالذكر تفضيلا، والمراد بالأكل الانتفاع من جميع الوجوه. وقيل: هو الأكل المعتاد. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: ٥١] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيلُ السفر أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك" (٨).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: فضيلة الإيمان، حيث وجَّه الله الخطاب إلى المؤمنين، فهم أهل لتوجيه الخطاب إليهم؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا}.

٢ - ومنها: الأمر بالأكل من طيبات ما رزق الله؛ لقوله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}؛ وهو للوجوب إن كان الهلاك، أو الضرر بترك الأكل.


(١) صفوة التفاسير: ١/ ١٠٢.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٦.
(٣) انظر: تفسير الرازي: ٥/ ١٠.
(٤) التفسير البسيط: ٣/ ٤٩٥.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (١٥١٦): ص ١/ ٢٨٢.
(٦) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٢/ ١٠٥.
(٧) تفسير البقاعي: ١/ ٣١٦.
(٨) المسند (٢/ ٣٢٨) وصحيح مسلم برقم (١٠١٥) وسنن الترمذي برقم (٢٩٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>