للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧ - ومنها: وجوب تعظيم الله عز وجل؛ لأنه تعالى حرم القول عليه بلا علم تعظيماً له، وتأدباً معه؛ وقد قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} [الحجرات: ١].

القرآن

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠)} [البقرة: ١٧٠]

التفسير:

وإذا قال المؤمنون ناصحين أهل الضلال: اتبعوا ما أنزل الله من القرآن والهدى، أصرُّوا على تقليد أسلافهم المشركين قائلين: لا نتبع دينكم، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون عن الله شيئًا، ولا يدركون رشدًا؟

في سبب نزول الآية: أخرج ابن إسحاق (١)، والطبري (٢)، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام، فرغبهم فيه، وحذرهم عذاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرا منا، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك من قولهما: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" (٣).

قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة: ١٧٠]، أي: إذا قيل لهؤلاء الكفرة من المشركين: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله واتركوا ما أنتم فيه من الضلال والجهل (٤).

قال الطبري: أي: "فأحِلُّوا حلاله، وحرِّموا حرامه، واجعلوه لكم إمامًا تأتمون به، وقائدًا تَتبعون أحكامه" (٥).

قال القرطبي: " أي بالقبول والعمل" (٦).

وقد اختلف أهل التفسير في الضمير في قوله تعالى {لَهُمُ} على ثلاثة أقوال (٧):

أحدها: أنه عائد على {مَنْ} في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً} [البقرة: ١٦٥] وهم مشركو العرب، وقد سبق ذكرهم.

وثانيها: أن الضمير عائد على {الناس} من قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مما في الأرض حَلالا طيبًا}، وعدل بالخطاب عنهم للنداء على ضلالهم، كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون (٨).وهذا اختيار الطبري (٩)، والبيضاوي (١٠).

وثالثها: قال ابن عباس: "نزلت في اليهود، وذلك حين دعاهم رسول الله إلى الإسلام، فقالوا: نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا خير منا، وأعلم منا" (١١)، فعلى هذا الآية مستأنفة، والكناية في {لهم} تعود إلى غير مذكور، إلا أن الضمير قد يعود على المعلوم، كما يعود على المذكور.


(١) انظر: السيرة" لابن هشام "٢/ ٥٥٢".
(٢) انظر: تفسيرالطبري (٢٤٤٦): ص ٣/ ٣٠٥.
(٣) تفسير ابن أبي حاتم (١٥١١): ص ١/ ٢٨١، وانظر: العجاب: ١/ ٤١٧.
(٤) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٠.
(٥) تفسير الطبري: ٣/ ٣٠٦.
(٦) تفسير القرطبي: ٢/ ٢١١.
(٧) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ٢٣٨، ومفاتيح الغيب: ٥/ ١٨٨.
(٨) تفسير البيضاوي: ١/ ١١٩.
(٩) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣٠٤.
(١٠) انظر: تفسير البيضاوي: ١/ ١١٩.
(١١) تفسير الطبري: ٣/ ٣٠٥. وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٠، ومفاتيح الغيب: ٥/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>