للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الصابوني: " أي وأن تفتروا على الله بتحريم ما أحل لكم وتحليل ما حرّم عليكم فتحلوا وتحرّموا من تلقاء أنفسكم" (١).

قال القاسمي: " أي: بأن تفتروا عليه تعالى بأنه حرّم هذا وذاك بغير علم" (٢).

قال البيضاوي: " كاتخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات، وفيه دليل على المنع من اتباع الظن رأساً. وأما اتباع المجتهد لما أدى إليه ظن مستند إلى مدرِك شرعي فوجوبه قطعي، والظن في طريقه كما بيناه في الكتب الأصولية" (٣).

قال المراغي: " أي ويأمركم أن تقولوا على الله في دينه ما لا تعلمون علم اليقين أنه شرعه لكم من عقائد وشعائر دينية، أو تحليل ما الأصل فيه التحريم، أو تحريم ما الأصل فيه الإباحة، ففى كل ذلك اعتداء على حق الربوبية بالتشريع، وهذا أقبح ما يأمر به الشيطان، فإنه الأصل في إفساد العقائد، وتحريف الشرائع" (٤).

قال أبو السعود: "أي وبأن تفتروا على الله بأنه حرم هذا وذاك ومعنى مالا تعلمون مالا تعلمون إن الله تعالى أمر به" (٥).

وقيل: "وظاهر هذا تحريم القول في دين الله بما لا يعلمه القائل من دين الله، فيدخل في ذلك الرأي والأقيسة والشبهية والاستحسان. قالوا: وفي هذه الآية إشارة إلى ذمّ من قلد الجاهل واتبع حكمه" (٦).

قال السعدي: " فالقول على الله بلا علم، من أكبر المحرمات، وأشملها، وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها، فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده، ويبذلون مكرهم وخداعهم، على إغواء الخلق بما يقدرون عليه" (٧).

وفي قوله تعالى: {وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٦٩]، وجهان (٨):

أحدهما: أن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرمه الله عليكم.

والثاني: أن تجعلوا له شريكاً.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: أن للشيطان إرادة، وأمراً؛ لقوله تعالى: {إنما يأمركم}.

٢ - ومنها: أن الشيطان لا يأمر بالخير؛ لقوله تعالى: {إنما يأمركم بالسوء والفحشاء}؛ وهذا حصر بـ {إنما}؛ وهو يوازن: ما يأمركم إلا بالسوء والفحشاء.

٣ - ومنها: أن الإنسان إذا وقع في قلبه همّ بالسيئة أو الفاحشة فليعلم أنها من أوامر الشيطان، فليستعذ بالله منه؛ لقوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [الأعراف: ٢٠٠].

٤ - ومنها: أن القول على الله بلا علم من أوامر الشيطان؛ لقوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}؛ والقول على الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يقول على الله ما يعلم أن الله قاله؛ هذا جائز؛ ويصل إلى حد الوجوب إذا دعت الحاجة إليه.

القسم الثاني: أن يقول على الله ما يعلم أن الله قال خلافه؛ فهذا حرام؛ وهذا أشد الأقسام لما فيه من محادة الله.

القسم الثالث: أن يقول على الله ما لا يعلم أن الله قاله؛ وهذا حرام أيضاً.


(١) صفوة التفاسير: ١/ ١٠١.
(٢) محاسن التأويل: ١/ ٤٦٧.
(٣) تفسير البيضاوي: ١/ ١١٨.
(٤) تفسير المراغي: ٢/ ٤٤.
(٥) تفسير أبي السعود: ١/ ١٨٨.
(٦) البحر المحيط: ١/ ٤٨٠.
(٧) تفسير السعدي: ١/ ٨٠.
(٨) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>