للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يشرب بشماله؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله» (١)؛ ومن اتباع خطوات الشيطان القياس الفاسد؛ لأن أول من قاس قياساً فاسداً هو إبليس؛ لأن الله لما أمره بالسجود لآدم عارض هذا الأمر بقياس فاسد: قال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص~: ٣٨]؛ يعني: فكان الأولى هو الذي يسجد؛ فهذا قياس في مقابلة النص؛ فاسد الاعتبار؛ ومن اتباع خطوات الشيطان أيضاً الحسد؛ لأن الشيطان إنما قال ذلك حسداً لآدم؛ وهو أيضاً دأب اليهود، كما قال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم} [البقرة: ١٠٩]؛ وكل خُلق ذميم، أو عمل سوء، فإنه من خطوات الشيطان.

٥ - ومن فوائد الآية: تأكيد عداوة الشيطان لبني آدم؛ لقوله تعالى: {إنه لكم عدو مبين}؛ فإن الجملة مؤكدة بـ «إن».

٦ - ومنها: ظهور بلاغة القرآن؛ وذلك لقرن الحُكم بعلته؛ فإن قرن الحكم بعلته له فوائد؛ منها معرفة الحكمة؛ ومنها زيادة طمأنينة المخاطب؛ ومنها تقوية الحكم؛ ومنها عموم الحكم بعموم العلة - يعني القياس -؛ مثاله قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: ١٤٥]؛ فإن مقتضى هذا التعليل أن كل ما كان نجساً فهو محرم.

٧ - ومنها: التحذير الشديد من اتباع خطوات الشيطان؛ لقوله تعالى: {إنه لكم عدو مبين}؛ وما أظن أحداً عاقلاً يؤمن بعداوة أحد ويتبعه أبداً.

القرآن

{إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (١٦٩)} [البقرة: ١٦٩]

التفسير:

إنما يأمركم الشيطان بكل ذنب قبيح يسوءُكم، وبكل معصية بالغة القبح، وبأن تفتروا على الله الكذب من تحريم الحلال وغيره بدون علم.

قوله تعالى {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}، أي: إنما يأمركم الشيطان "بالإثم والمعاصي وما قبح من القول والفعل" (٢).

قال ابن كثير: أي: "إنما يأمركم عدوّكم الشيطان بالأفعال السيئة، وأغلظ منها الفاحشة كالزنا ونحوه، وأغلظ من ذلك وهو القول على الله بلا علم، فيدخل في هذا كل كافر وكل مبتدع أيضًا" (٣).

قال الصابوني: " أي لا يأمركم الشيطان بما فيه خير إِنما يأمركم بالمعاصي والمنكرات وما تناهي في القبح من الرذائل" (٤).

قال المراغي: " أي إنما يوسوس الشيطان ويتسلط عليكم كأنه آمر مطاع بأن تفعلوا ما يسوءكم في دنياكم وآخرتكم وأن تجترحوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" (٥).

قال البيضاوي: " بيان لعداوته، ووجوب التحرز عن متابعته. واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشر تسفيهاً لرأيهم وتحقيراً لشأنهم" (٦).

قال أبو حيان: " وأمر الشيطان، إما بقوله في زمن الكهنة وحيث يتصور، وإما بوسوسته وإغوائه. فإذا أطيع، نفذ أمره بالسوء، أي بما يسوء في العقبى" (٧).


(١) أخرجه مسلم ص ١٠٣٩، كتاب الأشربة، باب ١٣: آداب الطعام والشراب وأحكامهما، حديث رقم ٥٢٦٥ [١٠٥] ٢٠٢٠.
(٢) تفسير البغوي: ١/ ١٨٠.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٧٩.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ١٠١.
(٥) تفسير المراغي: ٢/ ٤٣.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ١١٨.
(٧) البحر المحيط: ١/ ٤٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>