للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزجاج: " أي انقطع وصلهم الذى كان جمعهم، كما قال: {لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}، فبينهم وصلهم، والذي تقطع بينهم في الآخر كان وصل بينهم في الدنيا" (١).

و{الأسْبَابُ} جمع سبب؛ وهو ما يتوصل به إلى غيره؛ "وأصل السبب الحبل يشد بالشيء فيجذبه، ثم جعل كل ما جر شيئا سببا" (٢).

قال شمر: "قال أبو عبيدة: السبب: كل حبل حدرته (٦) من فوق" (٣).

وقال خالد بن جنبة: "السبب من الحبال: القوي الطويل، قال: ولا يدعى الحبل سببا حتى يصعد به وينزل، ومن هذا قوله تعالى: {فليمدد بسبب إلى السماء} [الحج: ١٥] " (٤).

قال ابن عطية: " والسبب في اللغة: الحبل الرابط الموصل، فيقال في كل ما يتمسك به فيصل بين شيئين" (٥).

قال الثعلبي: " وأصل (السبب): كل شيء يتوصل به إلى شيء من ذريعة أو قرابة أو مودة، ومنه قيل للجهاد: سبب وللطريق سبب وللسلم سبب" (٦).

قال الواحدي: " فالسبب: الحبل في هذا الموضع، ثم قيل لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها: سبب، يقال: ما بيني وبينك سبب، أي: آصرة رحم، أو عاطفة مودة. وقيل للطريق: سبب؛ لأنك بسلوكه تصل إلى الموضع الذي تريده، قال الله تعالى: {فأتبع سببا} [الكهف: ٨٥]، أي: طريقا، و (أسباب السماء): أبوابها؛ لأن الوصول إلى السماء يكون بدخولها، قال الله تعالى خبرا عن فرعون: {لعلي أبلغ الأسباب (٣٦) أسباب السماوات} [غافر: ٣٦ - ٣٧]، ومنه قول زهير (٧):

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الَمنَايَا يَنَلْنَهُ ... وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

كما أن المودة بين القوم تسمى: سببا؛ لأنهم بها يتواصلون، ومنه قول لبيد (٨):

بل ما تذكر من نوار وقد نأت ... وتقطعت أسبابها ورمامها

والتي في هذه الآية يعني بها: وصلهم التي كانت تجمعهم" (٩).

والمراد بـ (الأسباب) في الآية، "كل سبب يؤملون به الانتفاع من هؤلاء المتبوعين، مثل قولهم: {اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت: ١٢]، وقول فرعون لقومه: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [غافر: ٢٩]؛ فهذه الأسباب التي سلكها المتبعون ظناً منهم أنها تنقذهم من العذاب إذا كان يوم القيامة تقطعت بهم؛ ولا يجدون سبيلاً إلى الوصول إلى غاياتهم" (١٠).

وقد اختلف أهل الفسير في معنى {الأسْبَابُ} [البقرة: ١٦٦]، على وجوه (١١):

أحدها: أن معناه: "الوصال الذي كان بينهم في الدنيا". قاله مجاهد (١٢)، روي عن ابن عباس (١٣)، وقتادة (١٤)، والربيع (١٥)، نحو ذلك.


(١) معاني القرآن: ١/ ٢٣٩.
(٢) تفسير القرطبي: ٢/ ٢٠٦.
(٣) التفسير البسيط: ٣/ ٤٧٨.
(٤) التفسير البسيط: ٣/ ٤٧٨.
(٥) المحرر الوجيز: ١/ ٢٣٦.
(٦) تفسير الثعلبي: ٢/ ٣٦.
(٧) ديوانه: ٣٠، وشرح المعلقات السبع: ٨٣، وانظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٦، وتفسير السمعاني: ٢/ ١٢٣، ومفاتيح الغيب: ٤/ ٢٣٤، ولسان العرب: ٤/ ١٩١٠ (سب).
(٨) ديوانه" ص ٣٠١، "لسان العرب" ٤/ ١٩١٠ (سب).
(٩) التفسير البسيط: ٣/ ٤٧٩. [بتصرف بسيط].
(١٠) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٢٩.
(١١) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٢٨٩ - ٢٩١.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٢٤١٧)، و (٢٤١٨)، و (٢٤١٩)، و (٢٤٢٠)، و (٢٤٢١)، و (٢٤٢٢): ص ٣/ ٢٨٩ - ٢٩٠.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤٢٣): ص ٣/ ٢٩٠، وابن أبي حاتم (١٤٩٢): ص ١/ ٢٧٨.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٢٤٢٤)، و (٢٤٢٥): ص ٣/ ٢٩٠.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٢٤٢٦): ص ٣/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>