في خطاب كلامه. وكل قوم فإذا تخاطبوا بينهم في البيع، والإجارة أو الوقف، أو الوصية، أو النذر أو غير ذلك بكلام، رجع على معرفة مرادهم إلى ما يدل على مرادهم من عادتهم في الخطاب، وما يقترن بذلك من الأسباب. وأما أن يجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها، فهذا كفر بالاتفاق، إذ لا يطاع أحد من البشر في كل ما يأمر به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اتفق المسلمون على أن شروط الواقف تنقسم إلى قسمين صحيح وفاسد، كالشروط في باقي العقود. فالشروط أن وافقت كتاب الله كانت صحيحة. وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة.
ثم قال: وأتتني عدة مرار صورة مسألة من حلب، في وقف شرط واقفه أن لا يؤجر أكثر من سنتين، فأجره الناظر عشرين سنة، وحكم حاكم حنبلي بصحة الإجارة، وقال: مذهب أحمد يجوز مخالفة شرط الواقف في ذلك، فأجبت عليها بأن هذا القول من هذه الحاكم على الإطلاق خطأ وافتراه على مذهب أحمد بغير علم، والصواب في ذلك، متى كان في الإيجار مصلحة أكبر من مراعاة شرط الواقف، فهنا قال بعض الأشياخ: حفظ عين الوقف أولى، وتجوز مخالفة شرط الواقف، واعتمدت في ذلك على ما سمعته من شيخنا، ومن القاضي برهان الدين ابن مفلح، ولم يحضرني فيها نقل، ثم رأيت كلام "الفروع" وقد صرح بها غيره أيضا.
وقد قال العلامة بن القيم في "إعلام الموقعين" بعد كلام له سبق:
هذا من أبطل الباطل، وأقبح الحيل، وهو مخالفة شرط الواقف ومصلحة الموقوف عليه، وتعرض لإبطال هذه الصفة.
ثم قال: فلا يحل لمفت أن يفتي بذلك، ولا لحاكم أن يحكم به، ومتى حكم به، نقض حكمه، اللهم إلا أن يكون فيه مصلحة للوقف،