للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتَلَكَّأت بنو قُرَيْظةَ فقالوا: كيف نَنقُض العَهْد بيننا وبين محُمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهؤلاءِ الجُنودُ التي أَتَيْتم بهم ليس هذا محَلَّ إِقامتهم ولا سُكْناهم، إن رأَوْا نَصْرًا شارَكونا بالغَنائم، وإن رأَوْا هَزيمةً ذهَبوا إلى بلادهم وبَقِينا نحن تحت سُلْطة محُمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وهذا كلام مَعْقول، لكنه مَعقول من الناحية الدُّنيوية فقَطْ، وأَبَوْا أن يُشارِكوهم، لكنهم ما زالوا بهم حتَّى أَغْرَوهم ونقَضوا العَهْد، فازداد ذلك في مَشقَّة المُسلِمين.

ولكن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قال في كِتابه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: ٣٨]، وإذا دَافَع اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن شَخْص فلا تَسأَل عن حاله، فإنه في حِصْن حَصين في مُدافَعة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ولهذا يَقول يَذكُر اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المُؤمِنين في هذه النِّعْمةِ: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ}، والتَّنْكير هنا للتَّعظيم والكَثْرة، يَعنِي: جُنود كثيرة، لكن بماذا قُوبلوا؟ {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} سلَّط اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هذه الرِّيحَ، الريح الشرقيَّة شَديدة، يَعنِي: جعَلها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ريحًا شَديدةً عظيمةً وبارِدةً حتَّى هَدَمت خِيامهم، وأَكفَأَتْ قُدورهم، وصارت الحِجارة تَرميهم كأنَّما يُرجمون بها رَجْمًا، يَعنِي: بدَأَتِ الريح تَحمِل الحِجارة وتَضرِب بها قُدورهم، تَضرِب بها خَيْلهم وإبِلَهم وأَبدانهم أيضًا، وقَلِقُوا قَلقًا عظيمًا، والجُنود الآخَرون -الملائِكة- تُزَلْزِلُ بهم وتُلقِي في قُلوبهم الرُّعْب؛ ولم تُقاتِل لأنه ما حصَل قِتال، لكنها زَلْزَلت بهم بإِذْن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

وقِصَّة حُذَيْفةَ بنِ اليَمان -رضي اللَّه عنهما- في تلك الليلةِ العَصِيبة، لمَّا هبَّتِ الرِّياح طلَب النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من أصحابه أن يَنتَدِب أحدًا منهم، وضَمِن أن يَرجِع سالِمًا، وأن يَكون رفيقَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجنَّة، يَعنِي: ضَمِن أمرَيْن؛ السلامة، وأن يَكون رفيقَ الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الجَنَّة، لكِن الصَّحابة معَهم تعَبٌ عظيم وجُوع شديد

<<  <   >  >>