بها، لأن النِّداء يَستَلزِم انتِباهَ المُنادَى، ولا داعِيَ لتَنبيه المُخاطَب إلَّا لأَمْر هامٍّ.
ثُمَّ النِّداء بهذا الوَصْفِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فيه إغراءٌ لامتِثال الخِطاب المُوجَّه؛ ولهذا قال ابنُ مَسعود -رضي اللَّه عنه-: إذا قال اللَّه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأَرْعِها سَمْعك (١). يَعنِي: استَمِع لها، فإمَّا خَيْر تُؤمَر به، وإمَّا شَرٌّ تُنهَى عنه، وفي وَصْف الإيمان مع كونه إغراءً دَليلٌ على أن امتِثال هذا الأَمْرِ من مُقتَضيات الإيمان، وأن مَعصِيته نَقْص في الإيمان.
قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} يَعنِي: ادْعُوا له بالصلاة فليس المُراد بالصلاة إذا قُلْت: صلِّ على فلان؛ ليس مَعناها: الدُّعاءَ المُطلَق، بل الدُّعاء بالصلاة؛ ولهذا لمَّا أَمَر اللَّه تعالى نبيَّه بأن يُصلِّيَ على مَن أَعطاه الصدَقة صار يَقول: اللَّهُمَّ صلِّ عليه. فالصلاة في الدُّعاء صحيح، ولكن إذا أَمَرتك أن تُصلِّيَ على شخص فالمَعنَى أن تَدْعوَ له بصلاة اللَّه تعالى عليه، فمَعنَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ}: أَمْر بالصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو أَمْر مُطلَق غَيْر مُقيَّد؛ فإِذَنْ تَكون الصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُطلَقة غير مُقيَّدة؛ فنُصلِّي عليه بأيِّ صيغة صلَّيْنا، ونُصلِّي عليه في أيِّ وَقْت، وفي كل مَكان؛ لكن هناك أَمكِنة تَتَأكَّد فيها الصلاة، وأَمكِنة لا تَنبَغي فيها الصلاة، وأَمكِنة تُستَحَبُّ فيها الصلاة مُطلَقًا، يَعنِي: ليس بتَأكُّد.
فمِمَّا تَتَأكَّد الصلاة على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه:
أوَّلًا: إذا ذُكِر اسمه فإن الصلاة واجِبة عليه؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أبي هُرَيْرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: "أَتَانِي جِبْرِيلُ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ
(١) أخرجه الإمام أحمد في الزهد رقم (٨٦٦)، وسعيد بن منصور في السنن رقم (٥٠) [ط. الصميعي]، وابن أبي حاتم في التفسير (١/ ١٩٦).