"اللَّهُمَّ ارْحَمْني ومحُمَّدًا"(١)، ولم يُنكِر عليه النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لكنها عند السَّلَف يُدعَى للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة، ولغيره بالرَّحْمة والرِّضا، وما أَشبَه ذلك.
والصَّوابُ: أن صلاة اللَّه تعالى على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- مَعناها: ثَناؤُه عليه في المَلَأ الأعلى، وليست رَحمَتُه إياه بدليل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}[البقرة: ١٥٧]، قال تعالى:{صَلَوَاتٌ}، {وَرَحْمَةٌ}، فدَلَّ هذا على أن الرحمة غيرُ الصلاة، وهو كذلك.
أمَّا صلاة المَلائِكة على الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فيُحتَمَل أن تَكون بمَعنَى: الدُّعاء أنهم يَدْعون له بالصلاة، ويُحتَمَل أنَّ المعنى: أنهم يُثنُون عليه مع اللَّه تعالى، وهذا أَقرَبُ، حتى لا يَتَوزَّع المَعنى في كلِمة {يُصَلُّونَ}، ويَكون المَعنَى أن اللَّه تعالى يُثنِي عليه، والمَلائِكة كذلك يُثنون عليه، وهذا من تَعْلية شَأْن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ولهذا قدَّم هذه الجُملةَ الخبَريةَ على الجُمْلة الإِنْشائية الطلَبية في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ}؛ لأن النَّفْس إذا عَلِمت شَرَف هذا النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسَه ومَلائِكته المُقرَّبين وغير المُقرَّبين من المَلائِكة الآخَرين، فإنهم يُصلُّون عليه؛ وأنا قُلتُ:(المَلائِكةَ المُقرَّبين)؛ لأن المَلائِكة كلَّهم مُقرَّبون بالمَعنَى العامِّ، لكن هناك مَلائِكة مُقرَّبون عند اللَّه تعالى كحَمَلة العَرْش ونحوهم، وكل هؤلاء يُصلُّون على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فلَمّا تَقرَّر في النُّفوس عُلوُّ شأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذه الجُمْلةِ وجَّه اللَّه تعالى الخِطاب إلى المُؤمِنين فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وتَصدير الجُمْلة بالنِّداء يَدُلُّ على الأهمِّيَّة والعِناية
(١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم (٦٠١٠)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.