للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" (١).

وقدِ اختَلَف العُلَماء رَحِمَهُ اللَّهُ: هلِ العَقْل في القَلْب أو العَقْلُ في الدِّماغ؟ وظاهِر القُرآن الكريم أن العَقْل في القَلْب كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦]، ويَدُلُّ لهذا أيضًا من السُّنَّة قوله عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كلُّهُ"، فدلَّ هذا على أن العَقْل في القَلْب، ولكن قال الإمام أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ له اتِّصالًا بالدِّماغ (٢). يَعنِي: هو في القَلْب ولكن له اتِّصال في الدِّماغ؛ ولهذا إذا فسَد الدِّماغ فسَد العَقْل.

وذكَرَ شيخُ الإسلام (٣) رَحِمَهُ اللَّهُ في مَواضِعَ من كلامه بأن الدِّماغ مَحَلُّ التَّصوُّر وتَكييف الأشياء، وأن القَلْب مَحَلُّ التَّدبير والتصريف، فكأَنَّ الدِّماغ سِكرتير القَلْب، يُهيِّئ الأمور له ويُصوِّرها ويُكيِّفها، ثُم يُرسِلها إلى القَلْب، والقَلْب يَأمُر أو يَنهَى أو يُقِرُّ أو يُنكِر.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: إثبات اسمَيْن من أسماء اللَّه تعالى: وهُما العَليم والحَليم، فالعَليم هو الذي أَحاط بكل شيء عِلْمًا.

والعِلْم عِند الأُصولِيِّين: هو إدراك الشيء إدراكًا جازِمًا مُطابِقًا. فقَوْلهم (جازِمًا) خرَج به الشَّكُّ والظَّنُّ والوَهْم، فهذا لا يُسمَّى عِلْمًا؛ لأنه غير جازِم، وخرَج


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشير -رضي اللَّه عنها-.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٩/ ٣٠٣)، والتبيان في إقسام القرآن لابن القيم (ص: ٤٠٤).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٩/ ٣٠٣ - ٣٠٤).

<<  <   >  >>