للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الإحلالَ والتَّحريمَ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ؛ لقوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ}، وهذا لا يُنافِي أن يَكون النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجتَهِد أحيانًا ويَحكُم، فإن القولَ الراجِحَ: أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- له أن يُشرِّع، ثُمَّ إن أَقرَّه اللَّه تعالى على ذلك كان شَريعة، وإن لم يُقِرَّه كان على حَسَب ما أَراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

والدليلُ على أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَستَقِلُّ بالتَّشريع عِدَّة أحاديثَ، بل من القُرآن؛ فلِقولِه تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]، وهذا يَدُلُّ على أن للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمْرًا مُستَقِلًّا.

ومن السُّنَّة مثل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ" (١)، وهذا دَليل على أنه يَأمُر ويَنهَى، وإلَّا لقال: لَوْلا أن اللَّه تعالى لم يَأمُرْني لأَمَرْته، فلا يُعلِّقها بإرادته هو، بل بإرادة اللَّه تعالى.

ومنها قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فَإذَا الرُّومُ يُغِيلُونَ فَلَمْ يَضُرَّهُمْ شَيْءٌ" (٢).

ومِثْل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة العِشاء: "أَنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي" (٣).

وغير ذلك من الأَمثِلة.

والحاصِلُ: أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له أن يَأمُر ويَنهَى ويُحلِّل ويُحرِّم، ولكن إن أَقرَّه اللَّه


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام، رقم (٦٣٧)، ومسلم: كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة، رقم (٦٠٤)، من حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب النكاح، باب جواز الغيلة، رقم (١٤٤٢)، من حديث جدامة بنت وهب -رضي اللَّه عنه-.
(٣) أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب وقت العشاء وتأخيرها، رقم (٦٣٨) من حديث عائشة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>