للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آدم، وقد صرَّح - عياذاً بالله منه - بهذا المعنى فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: ٧٦]، وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الاسراء: ٦١]، وقال: {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: ٣٣] فكان ترك السجود منه تسفيهاً لأمر الله وحكمته، فكفَّره الله تعالى بذلك، وكل من سفَّه شيئاً من أوامر الله تعالى أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فحكمُه كحكمِه، وهذا يدل على قبح الكِبر وعِظم جُرمه. (١)

قال الرازي: (اعلم أن الله تعالى لما استثنى إبليس من الساجدين فكان يجوز أن يُظن أنه كان معذوراً في ترك السجود، فبيَّن تعالى أنه لم يسجد مع القدرة وزوال العذر بقوله: {أَبَى} لأن الإباء هو الامتناع مع الاختيار (٢)، أما من لم يكن قادراً على الفعل لا يقال له إنه {أَبَى}، ثم قد كان يجوز أن يكون كذلك ولا ينضم إليه الكِبر، فبيَّن تعالى أن ذلك الإباء كان على وجه الاستكبار بقوله {وَاسْتَكْبَرَ} ثم كان يجوز أن يوجد الإباء والاستكبار مع عدم الكفر، فبيَّن تعالى أنه كفَر بقوله: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}). (٣)

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، وحقي، وغيرهما. (٤)

ويؤيد هذه الدلالة ماجاء في الكتاب والسنة من ذم الكِبر وأهله كما أخبر تعالى {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: ٢٣]، وقال سبحانه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ


(١) ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١/ ٢٩٦)، وإرشاد العقل السليم لأبي السعود (١/ ٨٩)
(٢) الإباء: هو امتناع باختيار، وأبى الشيء: لم يرضه، و (أبى) عليه: امتنع، وهو غير الاستكبار، وكل إباء: امتناع بلا عكس، فإن الإباء شدة الامتناع ويقال: أبى على فلان وتأبَّى عليه: إذا امتنع. ينظر: الكليات لأبي البقاء الكفوي (١/ ٢٨)
(٣) التفسير الكبير (٢/ ٤٤٦)
(٤) ينظر: أنوار التنزيل (١/ ٧٢)، وروح البيان (١/ ١٠٥)

<<  <   >  >>