للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني الحديث المذكور الجمهور، ومنهم الأئمة الثلاثة على تحريم الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها بوطء وغيره، وذهب كثير من السلف، والثوري وإسحاق إلى أن الممتنع من الحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن، ورجحه الطحاوي، واختاره أصبغ وابن المنذر لحديث مسلم والترمذي وأبي داوود، عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح (١)). وحملوا الحديث المتقدم على الندب جمعا بين الأدلة. قال النووي: وهذا القول أرجح دليلا، قال الحافظ: ويدل على الجواز ما رواه أبو داوود بإسناد قوي، عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا (٢)). انتهى.

ولو بعد نقاء المبالغة راجعة لوطء الفرج وما تحت الإزار؛ يعني أن الحائض إذا طهرت بأن رأت الجفوف أو القصة، فإنه يمنع وطء فرجها وما تحت الإزار منها، ولا يحل ذلك بسبب نقائها؛ وهذا هو المشهور. وقيل: يجوز ذلك وهو في المبسوطة عن ابن نافع، ونقل عياض أن بعض البغداديين تأول قول الإمام مالك عليه، وقيل: يكره ذلك وهو لابن بكير، فتلك أقوال ثلاثة: المنع وهو المشهور، والجواز، والكراهة.

وتيمم يعني أن الحائض إذا طهرت وتيممت تيمما مباحا فإن ذلك لا يبيح وطء فرجها ولا ما تحت الإزار منها هذا مذهب المدونة وهو المشهور. وقال ابن شعبان: يجوز وطؤها بعد النقاء والتيمم؛ يعني مع وجود أسباب التيمم، واختاره ابن عبد السلام. قاله الإمام الخطاب. وقال اللخمي: وإن كان في سفره ولم يجد ماء وطال السفر، جاز له أن يصيبها، واستحب لها أن تتيمم قبل ذلك وتنوي به الطهر من الحيض، وهو ظاهر. والله أعلم. قاله الإمام الخطاب. وقال الشيخ عبد الباقي: بعد قوله "ولو بعد نقاء وتيمم": تحل به الصلاة؛ لأنه -وإن حلت به الصلاة- لا يرتفع به الحدث، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}؛ أي يرين الطهر {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}؛ أي بالماء، وهذا إلا لطول يحصل به ضرر، فله وطؤها بعد أن تتيمم استحبابا، وهذا يوافق قوله: "ومنع مع عدم ماء تقبيل متوض وجماع مغتسل إلا لطول"، قال أحمد:


(١) مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، رقم الحديث: ٣٠٢.
(٢) أبو داود، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٧١.