وعلم مما مر أن الاسترعاء هو أن يشهد قبل هذا الأمر الذي يريد أن يفعله أنه غير ملتزم له، وأنه إنما فعله لأجل أمر يتوقاه اقتضى ذلك، وقد تقدم أنه يجوز في التطوعات وإن لم يعاين الشهود السبب الذي حمله على ذلك الفعل، ونظم هذا بعضهم فقال:
وفي التطوعات الاشهاد كفى … إن كان قبل فعل ما قد وصفا
وفي المعاوضات الاسترعا يصح … إن علم الإكراه علما متضح
وفي المتيطى أنه إن قال في الاسترعاء: متى أشهدت بقطع الاسترعاء فإنما أفعل ذلك استجلابا لإقرار خصمي فله ولا يضره ما عقد عليه من إسقاط البينة المسترعاة، وإن قال إنه أسقط الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء لم ينتفع باسترعائه وقاله غير واحد من الموثقين. وفيه تنازع. وفي الطرر: ولو قال في استرعائه: ومتى أشهدت على نفسي أني قطعت الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء إلى أقصى تناهيه فإنما أفعله للضرر فإن له ذلك، ولا يضره ما أشهد به على نفسه منه وهو أصح مما في المتيطى. قاله ابن فرحون. وقوله:"ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة" وقيل يضرها، والأول حكاه ابن راشد عن ابن الهندي وابن العطار، وقال هو الصواب لأن ضررها يحملها على الاعتراف بالطوع، ومن ابتلي بالأحكام يكاد يقطع بهذا، وإلى هذا أشار بقوله: على الأصح أي على القول الأصح أي لا يضرها إسقاط البينة المسترعاة على القول الأصح، وقوله:"ولا يضرها إسقاط" إلخ، وأولى إذا لم تسقط البينة المسترعاة وإنما اعترفت في عقد الخلع بالطوع، وقد مر أنه لا يضرها إسقاط البينة المسترعاة ولا إسقاط غيرها. والله سبحانه أعلم.
فرع: إذا خالعها وأخذ منها حميلا بالدرك، فقال ابن العطار: إذا ثبت (١) الضرر لا تسقط المتابعة عن الحميل لأنه غير مكره، وقد أدخل الزوج في زوال العصمة ولا يرجع الحميل على المرأة بشيء وإليه ذهب بعض الفقهاء الصقليين وبعض القرويين وذهب بعض القرويين، إلى أنه تسقط المتابعة
(١) في الحطاب: ج ٤ ص ٤١٧ والتوضيح: ج ٤ ص ٢٧٨ إذا أثبت.