ولا يضرها إسقاط البينة استرعاهُ الاسترعاء في الأصل هو طلب الرعي أي الحفظ، فكأن المرأة استحفظتهم ضررها ليلا يبطل بإسقاطها له؛ يعني أن المرأة إذا أشهدت قبل عقد الخلع أنها متى افتدت من زوجها بشيء فليس عن طوع منها ولا التزام منها وإنما يحملها عليه الضرر والرغبة في الراحة من ضرره لها، وأنها متى حصلت لها النجاة منه ترجع عليه فخالعته بمال معترفة بالطوع وعدم الضرر وأسقطت عنه عند عقد الخلع تلك البينة التي أشهدتها على ذلك وهي بينة الاسترعاء، فإن ذلك الإسقاط لا يضرها بل ترجع على الزوج بالمال الذي افتدت به منه متى قامت لها بينة بالضرر.
واعلم أن هنا ثلاث صور إحداها: أن تعترف بالطوع في عقد الخلع وكانت استرعت فلها الرجوع باتفاق، ثانيها: أن تعترف في عقد الخلع بالطوع أيضا ولم تسترع فقامت لها بينة لم تكن علمت بنها فكذلك لها الرجوع، ثالثها: أن تعترف بالطوع أيضا ولم تسترع فقامت لها بينة قد علمت بها فالذي قاله ابن الهندي وابن العطار وغيرهما أن لها الرجوع.
وقوله:"ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة" اعلم أنها لا يضرها إسقاط البينة المسترعاة ولا غيرها، قال أبو الحسن: ولو كتب في الوثيقة طائعة غير مشتكية ضررا وأسقطت الاسترعاء في الاسترعاء إلى أبعد غايته وأقصى حدوده ونهايته فلا يسقطه ذلك؛ لأنها تقول لو لم أقل ذلك لما تخلصت منه. انظر تبصرة ابن فرحون. والاسترعاء في الاسترعاء هو أن يقول في استرعائه: متى أشهد على نفسه بإسقاط البينة المسترعاة فهو غير ملتزم لذلك. قاله بناني في باب الصلح.
واعلم أن الاسترعاء ينفع في كل تطوع كالعتق والتدبير والطلاق والتحبيس والهبة، ولا يلزمه إن فعل شيء من ذلك وإن لم يعلم السبب إلا من قوله مثل أن يشهد أني إن طلقت فإنما أطلق خوفا من أمر أتوقعه من جهة كذا أو حلف بالطلاق وكان أشهد إني إن حلفت بالطلاق فإنما هو لأجل إكراه ونحو ذلك، فهذا وما ذكر معه لا يشترط فيه معرفة الشهود السبب المذكور، وأما البيوع فلا يجوز الاسترعاء فيها إلا أن يرى الشهود الإكره على البيع والإخافة فيجوز الاسترعاء إذا انعقد قبل البيع، وتضمن العقد شهادة من يرى الإخافة والتوقع الذي ذكره.