للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-صلى الله عليه وسلم- لحديث (انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى (١))؛ أي اتركوها موفرة. ومعنى توفر تترك على حالها دون نقص؛ لأنها وجه الإنسان وزينته، ويمنع حلقها، واحترز بقوله: غير ما طال مما طال منها فلا بأس بقصه بل يستحب، قال في الرسالة: ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين، قال الأبي في الحديث (إن الله تعالى زين بني آدم باللحى (٢)): وإذا كانت زينة فالأحسن تحسينها بالأخذ منها طولا وعرضا، وتحديد ذلك بما زاد على القبضة، كما كان ابن عمر يفعل، وهذا فيمن تزيد لحيته، وأما من لا تزيد لحيته فيأخذ من طولها وعرضها بما فيه تحسين فإن الله جميل يحب الجمال، فإن قلت: تحسينها بالأخذ منها طولا وعرضا مناف لقوله: أعفوا اللحى، قلت: الأمر بالإعفاء إنما هو لمخالفة المشركين؛ لأنهم كانوا يحلقونها، ومخالفتهم تحصل بعدم أخذ شيء البتة، وبأخذ اليسير الذي فيه تحسين فالصواب ما ذكرنا. انتهى قاله ابن زكري.

تنبيهان الأول: قال الحطاب بعد جلب نقول: فتحصل من هذا أن من توضأ أو اغتسل ثم قشر قشرة من جلده: أو جرح أو بثرة، أو قطع قطعة لحم من أعضاء وضوئه أو غسله، أو قطعت يده أو نحو ذلك لم يلزمه غسل ما ظهر من ذلك، ولا غسل موضع القطع، ولا موضع القشرة، خلافا للخمي. انتهى. وتعقب غير واحد كلام اللخمي، ورده سند، وقال إنه فاسد، واحتج بأن الصحابة كانت تلحقهم الجراح ويصلون بحالهم، ولا يعرف أن أحدا طهَّرَ فَمَ جرحه بمكان وضوئه أو غسله، وفي صحيح البخاري أنه رُمي رجل بسهم في الصلاة فنزفه الدم فمضى في صلاته.

الثاني: قال ابن ناجي: وأما ما ينبت بإزاء الظفر الذي يسمى بالتنتيف فلا يجب غسل محله إذا زال، بذلك أفتى شيخنا الشبيبي، وقال للسائل: بهذا قال صاحب هذه الدار؛ يعني ابن أبي زيد إذ سئل عن ذلك عند دار الشيخ المذكور المدفون بها، ولا يجري قول اللخمي في هذه، لندور مسألته، وكثرة وقوع مسألتنا والله أعلم. قاله الحطاب. ولما ذكر الفرائض الأربع القرآنية المجمع عليها، أتبعها بالكلام على الفرائض المختلف فيها، وبدأ بالدلك؛ لأنه قد قيل


(١) البخاري، كتاب اللباس، رقم الحديث: ٥٨٩٣.
(٢) الأبي شرح مسلم، ج ٢ ص ٦٦.