للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تنبيهات: الأول: الغيبة ذكرك أخاك بما فيه مما يكره أن لو سمعه، وهي حرام كتابا وسنة وإجماعا، وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان فيه ما يقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهَتَّه (١)). قوله: أخاك، يخرج الكافر لأنه لا حرمة له، لكن حديث النصرانيين الذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا الغيبة لأخبرتكم أيهما أطب (٢)). ظاهره منع غيبة الكافر، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون أخاك خرج مخرج الغالب أو يخرج الكافر بأنه لا غيبة له بكفر لا بغيره.

واعلم أن الغيبة تحصل بكل مفهمها فلا فرق بين المذكر اللساني وما يقوم مقامه في التفهيم، فالفعل كالقول والتعريض كالتصريح، وكذا الإشارة والإيماء والغمز والرمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام، ومن ذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي أنها قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام قد اغتبتها (٣)). ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجا أو كما يمشي فهو غيبة بل أشد من الغيبة، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها حكت قال: (ما يسرني أني حكيت ولي كذا وكذا (٤))، وكما يحرم أن تحدث غيرك بمساوي إنسان يحرم أن تحدث نفسك بذلك فسوء الظن حرام، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.

والحاصل أن ما يحصل به الإفهام حرام، كأن يقول بعض من مر بنا اليوم كذا إذا كان المخاطب يفهم منه شخصا معينا، فأما إذا لم يفهم عنه جاز فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا كره من إنسان شيئا، قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) ولا يعين، وما مر من أن سوء الظن حرام المراد به عقد القلب وحكمه على الغير بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء. وقوله: بما يكرهه، سواء كان نقصانا في نفسه أو


(١) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، رقم الحديث ٢٥٨٩.
(٢) شرح الزرقاني على الموطأ باب ما جاء في الغيبة، ص ٦٤٤.
(٣) مسند إسحاق ابن راهويه، رقم الحديث ١٦١٣.
(٤) الإتحاف، ج ٧ ص ٥٤٢. وانظر الترمذي، رقم الحديث، ٢٥٠٢.