للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يفخر بعضكم على بعض (١))، ومنها أيضا اجتناب الدخول في الولاية الدنيوية والتعرض لطلبها. قال في الوصلة الزلفى. وفيها أن حديث (إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار (٢)) خاص للحسن والحسين نقله عن محمد الجواد بن علي الرضى. ومنها أيضا سلوك طرائق سلفهم في التواضع والحلم والصبر على الأذى ذاكرين قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)}، ومنها أيضا الإعراض عن الدنيا وزينتها لأن ذلك دأبه عليه الصلاة والسلام.

ونقل في الوصلة الزلفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فأتى بيت ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها، وكانت تهيأت ولبست مسكتين من ورق وقلادة وقرطين وسترت باب البيت لقدوم أبيها وزوجها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف أصحابه على الباب لا يدرون أيقيمون أم ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر، ففطنت فاطمة أنه فعل ذلك لما رآى من المسكتين والقلادة والستر فنزعت قرطيها وقلادتها ومسكتيها، ونزعت الستر وبعثت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت للرسول: قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله. وذكر الراوي أنه قام فدخل عليها.

ومنها أيضا وهو أعظمها مقابلة المسيء بالإحسان، كما روى عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنه كان خارجا يوما من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي، فقال علي بن الحسين: مهلا عن الرجل ثم أقبل عليه فقال: ستر عليك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل ورجع إلى نفسه فألقى إليه علي خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم، فكان الرجل يقول بعد ذلك: أشهد أنك من أولاد الرسول. ومنها أيضا تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم، وإن كان عاما ففي حق أهل البيت أوكد لأنهم خير القرون بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من حفظني في أصحابي ورد عليَّ الحوض، ومن لم يحفظني في أصحابي لم يرد عليَّ الحوض، ولم يرني إلا من بعيد، فأحق الناس بتعظيمهم


(١) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، رقم الحديث ٢٨٦٥. وصحيح ابن حبان، رقم الحديث، ٤٢١٤. وسنن أبي داوود رقم الحديث، ٤٨٩٥.
(٢) المستدرك على الصحيحين، ج ٣ ص ١٥٢ حلية الأولياء لابن نعيم، ج ٤ ص ١٨٨.