أي الخبر الذي حلف ليكتمنه، فقال عمرو: ما ظننته قاله لغيري، فإن عمرا الحالف يحنث بقوله ما ظننته قاله لغيري، فالضمير في قاله للخبر المحلوف على كتمانه، ومعنى ليسرنه بضم الياء: ليكتمنه ولا يظهره ولا يحدث به أحدا، فقوله لخبر لا مفهوم له، بل لو قاله لغيره لحنث. كما نص عليه الشيخ إبراهيم.
وقوله:"في ليسرنه"، متعلق "بحنث"، وإنما حنث عمرو بقوله ذلك؛ لأن هذا اللفظ يدل على أنه أسره إليه، وحينئذ فكأنه لم يكتمه، والحنث يقع بأدنى سبب، وأما لو قال ما ظننته يقول مثل هذا لغيري ونحوه فإنه لا يحنث.
واعلم أن القاعدة النحوية أنه إذا اجتمع مفعولان أحدهما مسرح والآخر مقيد وجب تقديم المسرح على المقيد، والمص فعل ذلك فقدم المسرح وهو قوله:"ما ظننته"، على المقيد وهو قوله:"لمخبر". قاله الشيخ إبراهيم عن شيخه الأجهوري. وقوله: وجب، فيه نظر إذ ذاك هو الأصل، لكن لا يجب ارتكابه إلا لموجب كما نص عليه غير واحد. والله سبحانه أعلم.
وباذهبي الآن إثر لا كلمتك حتى تفعلي؛ يعني أن الشخص إذا حلف مخاطبا لزوجته -مثلا- لا كلمتك أو لا أكلمك حتى تفعلي كذا، ثم قال لها إثر يمينه اذهبي الآن ونحوه، فإنه يحنث بذلك القول وهذا قول ابن القاسم، وقال ابن كنانة وأصبغ: لا يحنث، قال ابن القاسم: وقضى لي فيها مالك على ابن كنانة، قال الشيخ محمد بن الحسن: يتعين تعلق الظرف باذهبي؛ لأن ابن القاسم فسر قوله: اذهبي بأنه كالقائل إن شئت فافعلي وإن شئت فدعي: وقال الشيخ عبد الباقي: إنه يحنث بمجرد قوله اذهبي؛ لأن الحنث يقع بأدنى سبب، وأن الظرف يحتمل أن يكون متعلقا بالحنث أي وحنث الآن، ولا ينتظر وقوع الفعل. واتفق ابن القاسم وابن كنانة على أنه لو حلف أحد أخوين لا يكلم الآخر حتى يبدأه، فحلف الآخر كذلك لا يكون يمين الثاني تبدئة ينحل بها اليمين عن الأول. قاله الشيخ إبراهيم. وفي الخرشي: ولا مفهوم لقوله اذهبي، بل النهي كلا تذهبي والإشارة كذلك، وقوله:"إثر"، ومن باب أولى في الحنث لو لم يكن قوله ذلك بالأثر. انتهى وفيه أن الحنث يحصل باذهبي فقط.