للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقيقة تنزيه لله منا عما لا يليق به، فلا ينصرف إلى المجاز الذي هو تنزيه الله لنفسه إلا بنية أو قرينة. والله سبحانه أعلم. وقوله: "وكالخلق"، معطوف على قوله: "لا بلك علي عهد".

أو هو يهودي؛ يعني أنه لا تنعقد اليمين بقول شخص هو يهودي إن فعل كذا أو إن لم يفعله، أو نصراني أو عابد وثن أو مجوسي أو مرتد أو على غير ملة الإسلام وما أشبه ذلك، أو سارق أو زان أو شارب خمر أو يأكل الميتة أو نحو ذلك، أو عليه غضب الله أو دعا على نفسه بالكفر أو غيره إن فعل فلا كفارة في شيء من ذلك وليستغفر الله ولا يرتد ولو كان كاذبا فيما علق عليه لأن قصده إنشاء اليمين لا إخباره بذلك عن نفسه، ولذلك إذا لم يكن في يمين فإنه يرتد ولو كان جاهلا أو هازلا، ولا يرتد أيضا إذا قال: هو يهودي لقصده بذلك غرور يهودية ليتزوجها، والظاهر أن من قال هو باغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فعل كذا ثم فعله مثل من قال هو على غير ملة الإسلام إن فعل كذا.

قوله: "أو هو يهودي"، هو ونحوه متفق على حرمة الحلف به، وأتى المص بضمير الغائب مكان ضمير الحاضر دفعا للبشاعة وللنفور من هذه المقالة التي تستك منها المسامع والعياذ بالله تعالى، فإن قلت قوله: "أو هو يهودي"، يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال (١))، فالجواب أن هذا الحديث ليس على ظاهره كما قال ابن عبد البر، وقد اختلف في معنى الحديث، فقال الباجي: معنى قوله فهو كما قال: يعني إذا كان معتقدا لذلك، ولهذا أمر من حلف باللات والعزى أن يعاود التهليل لنفي الكفر. انتهى. قال الش: وعليه فيطالب بالشهادة مع الاستغفار، وقال صاحب الاستذكار: ليس هو على ظاهره، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد النهي عن مواقعة هذا اللفظ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من حلف منكم باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله (٢)) تكفيرا لتلك الخطيئة وتذكيرا من الغفلة.

ولا نشأ القوم على تعظيم تلك الأصنام وعلى الحلف بها وأنعم الله عليهم بالإسلام بقيت تلك الألفاظ تجري على ألسنتهم من غير قصد الحلف، فأمر صلى الله عليه وسلم من نطق بذلك أن


(١) جزء حديث أخرجه مسلم، كتاب الأيمان رقم الحديث ١١٠، ولفظه من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال، وفي رواية له من حلف بملة سوى الإسلام الخ.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الأدب رقم الحديث ٦١٠٧. وصحيح مسلم كتاب الأيمان رقم ١٦٤٧.