للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي حديث الأعرابي السائل عما يجب عليه أنه صلى الله عليه وسلم، قال فيه: (أفلح وأبيه إن صدق (١))، وأجيب عنه بأنه منسوخ بالحديث المتقدم؛ يعني (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (٢))، وبأنه منع الصحة في هذه اللفظة فإنها ليست في الموطإ، وجاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم علم الناس الدعاء فقال: (اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة (٣)) قال عز الدين: فإن صح هذا فينبغي أن يكون مقصورا عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد ولد آدم ولا يقسم على الله بغيره من الملائكة والأنبياء والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، ويكون من خصائصه تنبيها على علو درجته وارتفاع رتبته). انتهى. قاله الإمام الحطاب. وسيأتي أن الحلف بالطلاق والعتاق حرام لأنه يؤدب في الحلف بهما ولا تأديب في المكروه.

وكالخلق والإماتة؛ يعني أن الصفات الفعلية لا ينعقد بها اليمين، فلا كفارة على من حلف بها وحنث كالخلق أي تكوين المكونات والرزق والإحياء والإماتة بمثناتين فوقيتين، ولا يجوز الحلف بصفات الأفعال، قال في الجواهر: ولا يجوز اليمين بصفات الفعل ولا تجب فيها الكفارة، كقوله: وخلق الله ورزق الله. انتهى. قاله الحطاب. ونقل عن القرطبي أنه يجوز الحلف بجميع أسماء الله تعالى اتفاقا، وكذا يجوز الحلف بالصفة المتمحّضة نحو: وعزة الله وقدرته، ولا ينبغي أن يختلف في هذا القسم أنه كالأول، وأما ما يضاف إلى الله وليس بصفة كقوله: وخلق الله ونعمته ورزقه فهذه ليست بأيمان جائزة لأنها حلف بغير الله، وبين هذين القسمين قسم آخر متردد بينهما مختلف فيه لتردده كعهد الله وأمانته، فعندنا أيمان ملحقة بالقسم الأول، وعند الشافعي ليست بأيمان. انتهى.

وقد تقدم في هذا القسم الأخير أنه تنعقد به اليمين في صورتين، إن نوى المعنى القديم أو لا نية له، وقد مر في حاشى الله ونحوه أنها لا تكون يمينا إلا عند إرادة المعنى القديم، والفرق أن الأمانة ونحوها ظاهرة في إرادة المعنى القديم، فلا تنصرف عنه إلا بنية، وحاشى الله معناه


(١) صحيح مسلم كتاب الأيمان، رقم الحديث ١١.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الإيمان والنذور، رقم الحديث ٦٦٤٦. صحيح مسلم، كتاب الأيمان، رقم الحديث ١٦٤٦. والموطأ، كتاب النذور، رقم الحديث ١٠٧٣٢.
(٣) غاية السؤل ص ٢٩٧.