للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذنا بريح الثوم (١)). فيه من الفقه أن حضور الجماعة ليس بفرض، وإلا لما أبيح ما يحبس عن الفرض.

وقد أباحت السنة لآكل الثوم التأخر عن الجماعة، وإذا كانت العلة في إخراج آكل الثوم من المسجد أنه يتأذى به، ففي القياس أن كل من يتأذى به جيرانه في المسجد؛ بأن يكون ذرب اللسان سفيها مستطيلا، أو كان ذا رائحة لا تؤلمه لسوء صنعة، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه، وأرادوا إخراجه من المسجد وإيعاده عنهم، كان لهم ما دامت العلة موجودة فيه حتى تزول، فإذا زالت بأي وجه كان له مراجعة المسجد. قاله الحطاب. وقال الأمير عاطفا على الأعذار المسقطة لحضور الجمعة والجماعة: وأكل كثوم، ولا مزيل، وحرم بالمسجد والمحافل كدخول آكله على الراجح. انتهى. ومما يزيل رائحة الثوم مضغ السعف والسعتر. قاله الخرشي.

ثم شبه بمسقطات الجمعة والجماعة ما يخص الجماعة بقوله: كريح عاصفة بليل؛ يعني أن الريح العاصفة؛ أي الشديدة إذا كانت بالليل، فإنها تبيح التخلف عن الجماعة لاجتماعها مع الظلمة بخلافها نهارا، فلا تسقط الجمعة ولا الجماعة، وليس من الأعذار شدة البرد ولا شدة الحر إلا أن تكون ريح حارة تذهب بماء القرب والأسقية، فتكون عذرا لمن هو خارج المصر. قاله الشيخ إبراهيم. وقال الإمام الحطاب عن سند: أما الحر والشمس فليس بعذر قاطع، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيمها في أرض الحجاز بأصحابه. (قال سلمة بن الأكوع: كنا نُجَمِّع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نبتغي الفيء، أوقال: الظل، وما نجد للحيطان فيئا نستظل به (٢)). خرجه البخاري. انتهى. وقوله: "بليل"، ظاهره ولو مقمرا. لا عرس؛ يعني أن الابتناء بالعرس بالكسر، وهي امرأة الرجل، لا يبيح التخلف عن الجمعة والجماعة.


(١) الموطأ، كتاب وقوت الصلوات، رقم الحديث: ٣٠. ولفظه: فلا يقرب مساجدنا يؤذينا .. - البخاري، كتاب الأذان، رقم الحديث: ٨٥٣. ولفظه: من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا. - مسلم كتاب المساجد، رقم الحديث: ٥٦٣. ولفظه: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الثوم.
(٢) مسلم، كتاب الجمعة، رقم الحديث: ٨٦٠. البخاري، كتاب المغازي، رقم الحديث: ٤١٦٨.