وتحصل مما مر أنه يعيد في كل من الفروع الثلاثة، أما الأول فظاهر، وأما الثاني والثالث فكذلك إن جمع فيهما ولا نية عنده في الرحيل، لكنه غير رافض للسَّير بالإقامة التي تقطعه، وأما إن جمع فيهما ناويا الرحيل ثم يبدو له فلا يرتحل، فإنه لا إعادة عليه فيهما، وبقي ما إذا جمع وهو ناو الإقامة القاطعة للسّيْرِ فيهما، فإنه يعيد كما نص عليه الشيخ عبد الباقي، ولم يبين هل هي في الوقت أو أبدية؟ فظاهره أنها أبدية، والذي يفهم من كلام الحطاب أنها في الوقت، خلاف ما يؤخذ من كلام الشيخ محمد بن الحسن. والله سبحانه أعلم. والراد بالإقامة المذكورة، الإقامة المقابلة للسفر لا إقامة أربعة أيام، وقد مر ذلك.
وفي جمع العشاءين؛ يعني أنه يرخص في جمع العشاءين؛ بأن تقدم الثانية عند الأولى، واحترز بقوله: فقط عن الظهرين، فإنهما لا يجمعان مما يجمع له العشاءان لعدم المشقة في الظهرين غالبا، بخلاف العشاءين لأنهم لو منعوا من الجمع بين العشاءين لأدى إلى حصول أحد أمرين؛ إما المشقة إن صبروا لدخول الشفق، وإما فوات فضيلة الجماعة إن ذهبوا إلى بيوتهم من غير صلاة. قاله الشيخ إبراهيم. قوله:"وفي جمع"، متعلق برخص محذوفا بعد الواو؛ أي ورخص، قاله البساطي. بكل مسجد؛ يعني أن جمع العشاءين يكون بكل مسجد، خلافا لمن خصه بمسجد المدينة أو به، وبمسجد مكة.
ومثل المسجد محل اتخذه أهل البادية محلا لصلاتهم به جماعة، قوله:"وفي جمع"، متعلق "برخص"، كما للحطاب، وهذا الجمع مندوب كما نص عليه غير واحد، وقال الإمام الحطاب: وفي كون هذا الجمع راجحا أو مرجوحا طريقان، والأكثر على أنه راجح. نقله ابن عرفة. وإنما يجمع الراتب أو من استخلفه كما صرح به الشيخ الأمير، ويفيده فتوى البرزلي في محل اتخذه أهل البادية لصلاتهم به جماعة، وأشار إلى سبب جمع العشاءين، بقوله: المطر؛ يعني أن جمع العشاءين إنما يكون لأحد أمرين، أحدهما المطر؛ والمراد به المطر الغزير الذي يحمل الناس على تغطية رؤوسهم واقعا كان أو متوقعا، كما قاله الشيخ زروق، قال الشيخ إبراهيم: فإن قلت المطر إنما يبيح الجمع إذا كثر على ما بيناه، والمتوقع لا يقال فيه ذلك، قلت: يمكن أنه كذلك