للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: (اللهم بارك لنا فيها، اللهم حببنا إلى أهلها وحبب صالح أهلها إلينا (١) وإن وضع يده على سورها عند دخولها وقرأ: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} يكرر آخرها ثلاثا لم يزل بها طاعما آمنا بفضل الله، وإذا اتقى على رحله لَيْلاً يدور به وهو يقرأ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} حتى يأتي موضعه، فإنه أمان له. وذكر لي بعض العلماء حفيظة لمن أراد نجاته تكتب وتجعل في الرحل، ونصها: حسبي الله من كل شيء، الله يغلب كل شيء. ولا يقف لأمر الله شيء. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. نقله ابن زكري. وقال الأقفهسي في شرح الرسالة: السفر عند الصوفية على قسْمَيْنِ: سفر الظاهر، وسفر الباطن. فسَفَرُ الباطن السفر في نعم الله والتفكر في مخلوقاته، وسفر الظاهر على قسمين: سفر طلب وسفر هرب، فسفر الهرب واجب؛ وهو إذا كان في بلد يكثر فيه الحرام ويقل فيه الحلال، وكذلك يجب عليه الهروب من موضع يشاهد فيه المنكر من شرب خمر وغير ذلك من سائر المحرمات إلى موضع لا يشهد فيه ذلك: وكذلك يجب عليه الهروب من بلد أو موضع يُذِلُّ فيه نفسه إلى بلد أو موضع يعز فيه نفسه؛ (لأن المؤمن لا يذل نفسه (٢)). وكذلك يجب عليه الهروب من بلد لا علم فيه إلى بلد فيه العلم، وكذلك يجب عليه الهروب من بلد يسمع فيه سب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولو مكة والمدينة: فهذا سفر الهروب. وأمَّا سَفَرُ الطلب فهو على قسمين: واجب كسفر الحج للفريضة والجهاد إذا تعين، ومندوب؛ وهو ما يتعلق بالطاضة وقربة لله سبحانه وتعالى، كالسفر لبر الوالدين، أو لصلة الرحم، أو للتفكر في مخلوقات الله تعالى ومباح وهو سفر التجارة، ومكروه وهو صيد اللهو، وممنوع وهو سفر لمعصية الله تعالى. والسَّفَرُ الذي تقصر فيه الصلاة هو الواجب، والمندوب، والمباح.

تنبيه، اعلم أنه لا خلاف بين الأئمة في جواز التنفل للمسافر بالليل، وأما في النهار فالمشهور عن جميع السلف جوازه، وبه قال الأئمة الأربعة: وروى مالك في الموطإ عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه لم يكن يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئا قبلها ولا بعدها، إلا من جوف الليل، (فإنه


(١) الطبراني الأوسط، الحديث: ٤٧٥٥.
(٢) الترمذي، كتاب الفتن، الحديث: ٢٢٥٤. ولفظه: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه. قالوا وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. وابن ماجه، كتاب الفتن، الحديث: ٤٠١٦.