للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطيب الرحال الحافظ الضابط أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي عن الشاعر: هل له رخصة في وصف الخدود، والقدود، والنهود؟ فأجاب: اختلف العلماء في وصف الخدود والقدود، فمن مبيح، ومن محرم، قال أبو الفرج بن الجوزي: إن الإمام أبا حامد الطوسي قال: إن النسيب بوصف الخدود والأصداغ، وحسن الخد، والقامة، وسائر أوصاف النساء الصحيح لا يحرم، وما قاله صحيح إذا كان فيمن يملكه الإنسان، وفي وصف النساء. وأما المذكور، ففي المعين: الظاهر التحريم، وفي غير المعين إن نوى به التفنن في الكلام، أو الشخص الجميل من حيث هو شخص لا ذكر ولا أنثى، وإن كان بلفظ الذكر، فالظاهر الجواز، ولا يخلوا من الكراهة، وقد سلكه الأفاضل والأماثل، وعفو الله وراء ذلك كله، والأعمال بالنيات، والله ولي التوفيق بفضله وهو الهادي. انتهى. وقال الأبي. في شرح مسلم على قوله: (هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء (١)) الخ فيه: أن الشعر بنفسه ليس بمذموم وإنما المنكر الإكثار منه، أو ما فيه هجاء أو قذف أو تشبب بالحرام، أو وصف الخمر وأنواع الباطل بما يهيج النفوس على ذلك، وقد جاء في شعر حسان وكعب مما مدح به النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه وصف الخمر والتشبب لكن لغير معين، وسمعه صلى الله عليه وسلم جريا على عادة العرب في ذلك، فيغتفر منه ما قل ولم ير أصحابنا رد الشهادة بمثل هذا، وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أنه الغناء، وسئل مالك عنه قال: أمن الحق هو؟ قالوا: لا، قال: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ انتهى. ولا يمكن أن يكون كل غناء خارجا عن الحق، وقد تقدم ما في المدخل والإحياء من التفصيل، فيتنزل كلام الإمام على بعض أنواع الغناء وهو الذي يحرك من القلب ما هو مراد الشيطان، ولا يصح حمله على الإطلاق. وذكر المقدسي أن أبا مصعب سأل مالكا رضي الله عنه عن السماع، فقال: لا أدري إلا أن أهل العلم ببلدنا لا ينكرون ذلك ولا يقعدون عنه، ولا ينكره إلا ناسك غبي أو جاهل غليظ الطبع، وقال صالح بن أحمد بن حنبل


(١) مسلم، كتاب الشعر، رقم الحديث: ٢٢٥٥.