بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا جَازَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدَّارِ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاضُلِ جَائِزَةٌ بِالتَّرَاضِي.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ عَلَيْهِ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ
نَظَائِرَ لَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَأْبَاهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا بَلْ هُوَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَيْضًا فَتَدَافَعَا
(قَوْلَهُ وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ لَهُ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ عُلُوٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَسُفْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ وَبَيْتٌ كَامِلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالْكُلُّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي دَارَيْنِ لَكِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا يُقَالَ تَقْسِيمُ الْعُلُوِّ مَعَ السُّفْلِ قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الْبُيُوتُ مُتَفَرِّقَةً لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ انْتَهَى وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ مِمَّا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِأَنْ يُقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقْسَمُ الْعُلُوُّ مَعَ السُّفْلِ قِسْمَةً وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْبُيُوتَ الْمُتَفَرِّقَةَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ تَكُنْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ؟ قُلْنَا: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَالْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ، وَلَئِنْ كَانَا فِي دَارَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَكِنْ طَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي الْمُعَادَلَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَالَةَ الرِّضَا انْتَهَى وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، فَهِيَ الْمَأْخَذُ الْأَصْلِيُّ أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَالدِّرَايَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَاتِ عَامَّةِ الْكُتُبِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ: وَالْبُيُوتُ فِي مَحِلٍّ أَوْ مَحَالَّ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَسِيرٌ انْتَهَى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَحَلَّةَ فَوْقَ الدَّارِ، فَإِذَا قُسِمَتْ الْبُيُوتُ فِي مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِالْإِجْمَاعِ، فَلَأَنْ قُسِمَتْ فِي دُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الدُّورُ، وَالْبُيُوتُ، وَالْمَنَازِلُ فَالدُّورُ لَا تُقْسَمُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ سَوَاءً كَانَتْ مُتَبَايِنَةً أَوْ مُتَلَازِقَةً، وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً سَوَاءً كَانَتْ مُتَبَايِنَةً أَوْ مُتَلَازِقَةً، لِأَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى وَلِهَذَا تُؤَجَّرُ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ مَحِلَّةٍ، وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَازِقَةُ كَالْبُيُوتِ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَالْمُتَبَايِنَةُ كَالدُّورِ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ، فَأُلْحِقَتْ الْمَنَازِلُ بِالْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً، وَبِالدُّورِ إذَا كَانَتْ مُتَبَايِنَةً.
وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا: يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدَلِ الْوُجُوهِ لِيُمْضِيَ الْقِسْمَةَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هُنَاكَ: وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ مُطْلَقًا لِتَقَارُبِهَا فِي مَعْنَى السُّكْنَى وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ بَيْتَانِ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلَيْنِ كَانَا أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنْزِلَانِ إنْ كَانَ مُنْفَصِلَيْنِ فَهُمَا كَالدَّارَيْنِ لَا يُجْمَعُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ يُقْسَمُ كُلُّ مَنْزِلٍ قِسْمَةً عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ فَهُمَا كَالْبَيْتَيْنِ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الدَّارُ وَالْبَيْتُ سَوَاءٌ وَالرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute