وَغَرَقُ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ). وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْفِعْلِ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُهُ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبِ وَالسَّلِيمِ وَصَارَ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ وَمُعِينِ الْقَصَّارِ.
الْمُشْتَرَكِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ تَقْدِيمَ الْمُشْتَرَكِ هُنَا إلَخْ لَيْسَ بِتَامٍّ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَعْنَى بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ نَفْسُهُ أَيْضًا فِيمَا قَبْلُ بِقَوْلِهِ أَوْ الْمُرَادِ، وَهِيَ الضَّمَانُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَإِلَّا: أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ بَلْ كَانَ مَعْنَاهُ بَابَ إثْبَاتِ الضَّمَانِ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ عُنْوَانُ الْبَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا، إذْ لَا ضَمَانَ عِنْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَحْدَهُ كَمَا سَتُحِيطُ بِهِ خَبَرًا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْتَكَبَ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى عُنْوَانِ الْبَابِ مَا يَعُمُّ إثْبَاتَ الضَّمَانِ وَنَفْيَهُ كَانَ نِسْبَتُهُ إلَى الْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ عَلَى السَّوَاءِ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ: وَذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَكِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَحْتَجْ هُنَاكَ إلَى وَجْهٍ يُرَجِّحُ اخْتِيَارَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ لَمْ يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُرَجِّحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ هُنَالِكَ نَفْسَ الِاخْتِيَارِ لَا غَيْرُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَقْرِيرِ مُرَادِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ تَرْجِيحَ أَحَدُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالِاخْتِيَارِ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اخْتِيَارِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِتَمَامِ مَا ذَكَرَهُ، وَقَوْلُهُ وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا لَا صِحَّةَ لَهُ.
نَعَمْ يُمْكِنُ مَنْعُ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لَكِنَّهُ أَمْرٌ آخَرُ مُغَايِرٌ لِمَا قَالَهُ فَتَدَبَّرْ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا يَعْنِي تَعْرِيفَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ تَعْرِيفٌ يَئُولُ عَاقِبَتُهُ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، ثُمَّ لَوْ كَانَ عَارِفًا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ قَبْلَ هَذَا لَا يَحْصُلُ لَهُ تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ بِمَنْ هُوَ، فَلَا بُدَّ لِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَقُولَ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ عَيْنُ الدَّوْرِ.
قُلْت: نَعَمْ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْخَفِيِّ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي فُهُومُ الْمُتَعَلِّمِينَ، أَوْ هُوَ تَعْرِيفٌ لِمَا لَمْ يَذْكُرْهُ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِحْقَاقَ الْأَجِيرِ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا عَرَفْته أَنَّ الْأَجِيرَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْجَوَابِ نَعَمْ كَذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِلُزُومِ الدَّوْرِ، وَمَا يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ يَتَعَيَّنُ فَسَادُهُ وَلَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْخَفِيِّ إلَخْ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ خَفِيًّا.
وَمَا ذَكَرَ فِي التَّعْرِيفِ أَشْهَرُ مِنْهُ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ الْجَوَابُ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ بِمَنْ هُوَ بِأَنَّهُ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ هُوَ حُكْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَإِنَّهُمْ حَصَرُوا هُنَاكَ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ مُطْلَقًا لِلْأُجْرَةِ فِي مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ هِيَ: شَرْطُ التَّعْجِيلِ، وَالتَّعْجِيلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الثَّالِثُ مُخْتَصًّا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَزِمَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الْأُجْرَةَ أَصْلًا فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ وَلَمْ يُعَجِّلْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَإِذَا كَانَ الْمَذْكُورُ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حُكْمًا عَامًّا لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ أَيْضًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي تَوْجِيهِ مَعْنَى تَعْرِيفِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ هَاهُنَا بِمَا ذَكَرَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا عَرَفْته أَنَّ الْأَجِيرَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ ذَكَرَ خُلَاصَةَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute