(فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا، كَمَا إذَا ارْتَفَعَتْ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مُضِيِّهِ وَالْخِيَارَ الزَّائِدَ فِي الْمُدَّةِ.
(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى بَغْدَادَ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ فَاسِدَةً (فَإِنْ بَلَغَ بَغْدَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا) عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ (نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ) دَفْعًا لِلْفَسَادِ إذْ الْفَسَادُ قَائِمٌ بَعْدُ.
إيقَاعِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمُشَاعِ. لَا يُقَالُ: لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ خَالَفَ فِيهَا الشَّافِعِيَّ.
وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِيهِ أَيْضًا بِوُجُوهٍ: مِنْهَا قِيَاسُهُ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ لِلْخِيَاطَةِ، فَبِنَاءُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ جَوَابٌ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ: يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَالْمِلْكُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِسًّا، بِخِلَافِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ لِعَدَمِ الِامْتِيَازِ حِسًّا اهـ.
أَقُولُ: مَضْمُونُهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعِنَايَةِ فَفِيهِ مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ زَرَعَهَا، وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِنْ زَرَعَهَا بَعْدَ مَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الزَّرْعُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ، وَيَجِبُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ. اهـ كَلَامُهُ.
أَقُولُ: لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ انْقِلَابِ الْعَقْدِ إلَى الْجَوَازِ وَوُجُوبِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ زَرَعَهَا قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِهِ الْعَقْدَ بَلْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا مَجَالَ لِلِانْقِلَابِ إلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُوضَ لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ لَا مَحَالَةَ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعْدَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ، وَلَعَلَّ لَفْظَةَ " قَبْلَ " فِي قَوْلِهِ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي وَقَعَتْ سَهْوًا مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ بَدَلَ لَفْظَةِ " بَعْدَ "، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: وَإِنْ زَرَعَهَا بَعْدَ نَقْضِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ جَائِزًا (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ قَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ: بِنَقْضِ الْحَاكِمِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ جَعْلَ الْعَقْدِ تَامًّا بِنَقْضِ الْحَاكِمِ مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصْلِ بِنَقْضِ الْحَاكِمِ إيَّاهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتِمَّ بِهِ، وَتَمَامُ الشَّيْءِ مِنْ آثَارِ بَقَائِهِ وَاقْتِضَائِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute