وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا النُّصْرَةُ حَتَّى تَجِبَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ. بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا عَاقِلَةَ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ، وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ، إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَفِي إثْبَاتِ الْخِيرَةِ نَوْعُ تَخْفِيفٍ فِي حَقِّهِ كَيْ لَا يُسْتَأْصَلَ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ مَوْتِ الْجَانِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ اسْتِيفَاءً فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ حَالًّا) أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَعِنْدَ اخْتِيَارِهِ الْوَاجِبَ عُيِّنَ.
وَمُفَصَّلًا، وَقَدْ قَامَتْ لَنَا حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ هُنَاكَ فَاكْتَفَيْنَا هُنَا بِجَعْلِ ذَلِكَ الْمُخْتَلِفِ أَصْلًا لِهَذَا الْمُخْتَلِفِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَيْسَ يُخَالِفُ هَذَا حَدِيثَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى عَلَى الْحُرِّ لَا يَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ عِنْدَهُ فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى مَذْهَبِهِ اهـ.
وَذَكَرَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِلْوِقَايَةِ أَخْذًا مِنْ التَّسْهِيلِ كَمَا هُوَ حَالُهُ فِي أَكْثَرِ إيرَادَاتِهِ فِي تِلْكَ الْحَاشِيَةِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ كُلُّهُمْ هُنَا أَنَّ لَفْظَةَ الْعَاقِلَةِ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ وَكَلِمَاتُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا: الْعَاقِلَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ: أَيْ يُؤَدُّونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْعَاقِلَةُ هِيَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَغْرَمُ الدِّيَةَ، وَهُمْ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ أَوْ أَهْلُ دِيوَانِهِ: أَيْ الَّذِينَ يَرْتَزِقُونَ مِنْ دِيوَانٍ عَلَى حِدَةٍ اهـ.
وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَعَاقِلَةُ الرَّجُلِ عُصْبَتُهُ، وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ الَّذِينَ يُعْطُونَ دِيَةَ مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً. وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: هُمْ أَصْحَابُ الدَّوَاوِينِ
اهـ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَوَاقِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute