للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

صدقه .. » فمؤلفاته لم يدونها على مكتبه، هذه المؤلفات الخاصة بالنبات والحيوان. فللمرة الأولى نجد باحثاً أوربياً يتجول في أوربا بعينين مفتوحتين في الطبيعة، كما يفعل العرب وكما يفعل القيصر، فنجد العالم الألماني يتخذ من هذه الألفاظ ألفاظه ومن هذه العقلية مبدأ له فيقول: «إن رسالة العلوم الطبيعية ليست نقل أو تدوين ما ذكره ويذكره الآخرون بل تعليل وشرح العوامل والعناصر المؤثرة في هذه الظواهر الطبيعية».

وهكذا نجد ألبرت الأكبر ينسج على منوال قيصره ويصبح مجرباً فاحصاً ولو أنه هنا هاو وبخاصة إذا ما قورن بمثل «روجير بيكون» الذي كان ينادي بالتجارب. فإلى جانب الطرق العربية الشرقية التي تصل مباشرة إلى العالم الإنجليزي، وكذلك الإنجليزيين اللذين زار أحدهما الشرق فترجم المؤلفات الرياضية العربية واسمه «أثيلهارت فون باث» وأستاذه في البصريات المسمى «جروستستا» أو عن طريق أستاذه الفرنسي المسمى «بطرس فون ماريكورت» الصليبي الذي أحضر معه من العرب البوصلة والمغناطيس، وغير هؤلاء نجد طرقاً أخرى تصل إلى العالم الإنجليزي، وهي عبارة عن قنطرة تربط بينه وبين القصر الملكي في صقلية ومواطنه «ميخائيل سكوتوس».

ففي صقلية هذه التي ظلت قروناً عديدة نورمانية أشتوفية، ولدت أوربا الحديثة، وكانت العبقرية العربية هي المولدة، ففي هذه الدولة التي كانت تقع بين عالمين التقى فريدريش الثاني بعقليته الجرمانية مع العبقرية العربية، وبذلك تحققت النبوءة التي تنبأ بها «جوتفريد فون فيتربو» لقيصره هينريش السادس قبل أن يرزق بهذا الطفل: «إن فريدريش هذا سيكون حمامة السلام بين الشرق والغرب، ولو لفترة قصيرة في السياسة وإلى الأبد في الحياة العقلية».

إن القنطرة التي أقامها فريدريش الثاني بين الشرق والغرب كانت السبب في ظهور جيل جديد وعقلية جديدة تنظر إلى العلوم الطبيعية نظرة فاحصة ناقدة مجربة، فكان الأثر العقلي المتبادل هو الخالق لهذا التطور العلمي الجديد في أوربا، وكانت صقلية هي حاملة هذه النهضة العلمية الجديدة، وعنها أخذت أوربا في البناء

<<  <   >  >>