وقد أقبل العرب المغرمون بالحساب على هذه المقاييس وأتموا هذه الجداول الجغرافية. وإن أخطأت مقاييس بطليموس في تقدير الدرجات فإن العرب لم يختلفوا إلا في دقيقة أو اثنتين. أما الإدريسي فقد جمع بين القياسين الوصفي والفلكي الرياضي.
وهناك نوع آخر من الجغرافية أعني الجغرافية الطبيعية أو جغرافية علم طبقات الأرض، وقد نبغ في هذا النوع ابن سينا والبيروني وتوصلا إلى نتائج علمية هامة، وخاصة ما يتصل بنشأة الجبال وطبقات الصخور. فابن سينا يعرف حوالي عام ١٠٠٠ م الجبال فيقول:
«وأما الارتفاع فقد يقع لذلك بسبب بالذات وقد يقع بسبب بالعرض. أما السبب بالذات فكما يتفق عند كثير من الزلازل القوية أن ترفع الريح الفاعلة للزلزلة طائفة من الأرض وتحدث رابية من الروابي دفعة. وأما الذي بالعرض كأن يعرض لبعض الأجزاء من الأرض انحفار دون بعض بأن تكون رياح نسافة أو مياه حفارة تتفق لها حركة على جزء من الأرض دون جزء فيتحفر ما يسيل عليه ويبقى ما لا يسيل عليه رابيًا ثم لا تزال السيول تغوص في الحفر الأول إلى أن يغور غورًا شديدًا ويبقى ما انحرف عنه شاهقًا وهذا كالمتحقق من أمور الجبال وما بينها من الحفور والمسالك وربما كان الماء والريح منطقة متفقة الفيضان، إلا أن أجزاء الأرض تكون مختلفة فيكون بعضها لينًا وبعضها حجريًا فينحفر بالتوالي اللين ويبقى الحجري مرتفعًا ثم لا يزال ذلك المسيل ينحفر ويبقى على الأيام ويتسع النتوء وكلما انحفر عنه الأرض كان سموه أكثر، فهذه هي الأسباب الأكثرية لهذه الأحوال الثلاثة، فالجبال تكوّنها من أحد أسباب تكوّن الحجارة، والغالب أن تكوّنها من طين لزج جف على طول الزمان وتحجر في مدد لا تضبط فليشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف الأيام غير معمورة بل مغمورة في البحار فتحجرت. إما بعد الانكشاف قليلا قليلا في مدد لا يفي التاريخ بحفظ أطواقها. وإما تحت المياه لشدة الحر. . . ولهذا ما يوجد في كثير من الأحجار إذا كسرت أجزاء الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها. . .».