ومحاولة للحاق بالعرب في مختلف أنواع العلوم والفنون والآداب. والكتب الأوربية التي ظهرت -وإن افتقدت أحيانًا الاصطلاحات العربية- قد استمدت مضمونها ودلالتها. ولعل أكثر الكتب دراسة واستشهادًا مؤلفات أمثال: ابن سينا وأبي القاسم والرازي وابن زهر وحنين بن رسحق وإسحق يهودا. وكما طرق العرب قديمًا أبواب الثقافة اليونانية كذلك الحال عند أوربا الظمآي فإنها أقبلت واعتمدت في نهضتها على المراجع اليونانية العربية، وكانت هذه الكتب هي كل شيء في الطب، إلا أن الأزهار الأجنبية لم تتأصل جذورها في الأرض ولم تزدهر وتورق بل نمت في حدود ضيقة جدًا؛ لذلك بدت وكأنها أزهار ذابلة.
وكانت النتيجة أنه لم يظهر طب أوربي، كما ظهر في الشرق طب عربي منذ عصر الرازي، وأصبح عند العرب طب عربي خالص، وظل الأوربي عربيًا طيلة عصر الإنسانيين بالرغم من وجود أمثال «باراسيلسوس» بل امتدت فترة قيام الطب الأوربي المعرب حتى أوائل العصر الحديث.
والسبب في تأخر ظهور الطب كعلم أوربي هو طبيعة العصر وطبيعة نظرة الأوربين للحياة واهتمامهم بالإنسان فقط، وكل شيء خالق يتجمد ويكتفي فيه بالتفكير فقط، فنحن نجد الكنيسة تتطلب من المسيحيين الاستسلام بدون قيد أو شرط لها ولتعاليمها والخضوع لسلطانها، بينما أولئك الذين يدرسون ينتمون في الواقع إلى الطائفة المستقلة التي تفكر كيفما طاب لها التفكير، ونجد الأطباء العرب يحيون في معترك الحياة في الوقت الذي نجد فيه جميع معاهد الدروس -إذا ما استثينيا سالرنو والجامعة الحكومية في صقلية وفي نابولي- تخضع خضوعًا تامًا للكنيسة وتعاليمها.
فالفرد المسيحي يجب عليه أن يأتمر بأوامر الكنيسة ويؤمن بها إيمانًا أعمى ولا يجوز له مناقشة ما تفرضه عليه، فالمسيحيون هم خدم الكنيسة، وهذه العادات وتلك الصفات أصبحت طبيعة ثانية للمسيحيين. فإذا حاد المسيحي عن هذا الطريق وأخذ يهتم بما يجده أو يراه حتى بجسده أو بالمرضى سعيًا وراء جمع المعلومات والتجارب، ضل الطريق القويم فطريق العقل يؤدي إلى الغرض والهدف. وتحدثنا