الجامعة الوحيدة في العالم، عدا الدولة الإسلامية، التي يدرس فيها الطب دراسة عملية وكان أساتذتها يتمتعون بثقافة طبية طيبة ولو أنها لا تقارن بتلك التي نعرفها في العالم الإسلامي وبخاصة في دمشق أو قرطبة. لكن بالرغم مما في جامعة سالرنو من نقص إذا ما قورنت بالجامعات الإسلامية كانت مع ذلك أحسن جامعة مسيحية. والسبب في ذلك هو أن جامعة سالرنو الطبية جامعة علمانية خالصة وهي الوحيدة وسط هذه البيئة التي عرفت بممارستها الطب اللاهوتي. فمديرو وأساتذة سالرنو متزوجون، وإلى جانب الذكور من الأساتذة نجد الإناث أيضًا، وكانت أبوابها مفتوحة أمام الطلاب من مختلف الجنسيات والعقائد.
أما متى نشأت جامعة سالرنو وكيف وظهرت فهذا موضوع القصص والأساطير. وقصة سالرنو كغيرها من القصص والأساطير، ولا بد أن تحتوي على شيء من الحقيقة. فهنا خبر يذكر أن الذين أسسوها أربعة: يوناني ولاتيني ويهودي والعربي «أدلا»، وهو ولا شك أن العربي «عبد الله» إلا أن هذه التسمية العربية قد أسيء فهمها، ففهمت على أنها «أدلا» واشتراك عربي في تأسيس مدرسة سالرنو الشهيرة شيء بدهي وبخاصة أن سالرنو تقع في جنوب إيطاليا والجنوب كما يحدثنا التاريخ كان طيلة القرن التاسع الميلادي منطقة احتلال عربية، وهذا ليس بعجيب وبخاصة إذا أدركنا موقع صقلية العربية وتقارب الأوضاع بين صقلية وجنوب إيطاليا. ولعل أجمل صورة تصور لنا العلاقات في ذلك الوقت بين صقلية وجنوب إيطاليا ومدي الأثر العربي الإسلامي في تلك المنطقة ما يروى عن اليهودي الصغير «دونولو» فقد تعلم العربية في مدينة بالرمو عندما كان أسيرًا، ولما أخلى سبيله درس الطب العربي في جنوب إيطاليا وعلى يد طبيب قدم إلى جنوب إيطاليا من بغداد. وهناك أدلة أخرى ملموسة لمساهمة العرب في تأسيس جامعة سالرنو.
ومن المؤكد أنه قبل انصرام القرن التاسع الميلادي أثار أطباء سالرنو إعجاب الأوربيين الذين لم يعتادوا مثل هذا التقدم العلمي الطبي من قبل، ومن الثابت أن العلم والمعرفة والتجربة التي تدفقت في السبعين، بل الثمانين، سنة التي انصرمت من القرن الحادي عشر وفي سالرنو هي التي أكسبت هذه الجامعة هذه الشهرة الخالدة التي عمّ فضلها فشمل جميع أنحاء المعمورة؛ وبديهي أن هذا العلم وما إليه