للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بعقله كان المجتمع الأوربي المسيحي ينظر إليه طيلة العصور الوسطى وحتى أواخر القرن الثامن عشر على أن هذه المصيبة إنما هي عقوبة إلهية ابتلاه الله بها تكفيرًا عن خطيئة ارتكبها المريض قبل أن يمرض، أو أن هذا المريض أصبح جسدًا للشيطان.

لكن أوربا لم تهمل هذا النوع من المرض بل قررت طرد الأرواح الشريرة التي تستولي على المرضى، والمريض بعقله إن كان ذكرًا يجب عليه أن يرتدي ثوبًا مرقعًا ملونًا وبيده جرس ومطرقة، يعلن بهما المريض عن نفسه ويخبر كل طفل بذلك في جميع الحارات التي يجتازها، وهنا يتحول المريض إلى شخص للسخرية. لكن من الذي يقرر أكان المريض مؤذيًا أم مسالمًا؟ حتى عام ١٤٩٨ نقرأ أن مجلس فرنكفورت لجأ إلى دير القديس «أنشتات» راجيًا إرسال راهب لفحص مريض مصاب في قواه العقلية، وبه مس من الجن، وهذا المريض يدعى «يعقوب جويش» ورجا المجلس أيضًا الدير أن ينقل هذا المريض إلى الدير والعمل على طرد هذه الروح النجسة.

أما الحالات المستعصية من الأمراض العقلية، والتي يتعذر فيها طرد الشياطين، فإن مثل هؤلاء المرضى يغلون بالسلاسل ويلقى بهم في السجون أو يحجزون في بيوت المجانين أو برج المعتوهين. أما في ميناء همبورج فكانوا يوضعون في صندوق المجانين، وهناك يسلم هؤلاء المرضى إلى أناس غلاظ القلوب ينهالون عليهم ضربًا ولكزًا ولكمًا، ويعرف هؤلاء الجلادون باسم «عبيد المجانين» وهم يسومون أولئك المرضى سوء العذاب حتى تفارق الروح الجسد، وهدف هذا التعذيب هو طرد الشيطان من الجسد!

ويحدثنا التاريخ أن شخصًا من سكان فرنكفروت اتهم عام ١٤٥١ بالجنون؛ لأنه لعن القربان المقدس وعوقب كما لو أنه مالك لقواه العقلية. وفي عام ١٤٩٠ اتهم شخص بالجنون وهو يدعى «كونتس فوجل»، كما أصيب أيضًا بالبرص؛ لأنه عاب في الذات الإلهية.

أما المريض بالأمراض العصبية عند اليونان فكان يسلم لأهله وهم يحولون دون ما قد يرتكبه من أضرار، كما أن أسرته هي التي توفر له أسباب الراحة.

<<  <   >  >>