الأخبار فيستغلونها لابتزاز أموال أولئك المرضى، فكان المشعوذ مثلا يزور المريض ولا يوجه إليه أسئلة ما فيثق فيه المريض ويدرك أن تشخيص هذا الشخص الدعي لمرضه أغناه عن توجيه الأسئلة إليه.
ويذكر الرازي متندرًا أنه عندما أخذ يمارس مهنة الطب قرر ألا يوجه أسئلة لمريض إلا بعد أن يتسلم بوله ويدرسه، وكان هذا المسلك مدعاة إلى التقدير والإعجاب. ولما أدرك القوم أنني أخذت أكثر من الأسئلة تضاءلت ثقتهم في معرفتي وقالوا لي علانية اعتقدنا أنك عندما تشاهد البول تخبرنا عن كل شيء حدث لنا أو يحدث. أما الآن فقد انقلبت الآية؛ وعبثًا حاول الرازي إقناع القوم أن ما يتطلبونه منه لا يمت إلى مهنة الطب بصلة، وواضح أن المشعوذين هم الذين أدخلوا في روعهم أن الطبيب يجب أن يتبين كل شيء من البول ولا حاجة إلى جميع هذه الاستجوابات. وإذا كان الطبيب يتعرف إلى كثير من خصائص المرض من عوارضه، ويعرف خصائص لا يذكرها له المريض، فإن ما يصرح به المريض أهم وأدق وبخاصة إذا ما علم القوم أن هذا المريض صاحب البول قضى ليلة البارحة مع امرأة عجوز أو نام على جانبه الأيمن وكذا ساعة بالليل وهلّم جرًا من هذه السخافات ... ويعتقد القوم خطأ أن مثل الطبيب مثل الساحر يجب أن يتم الشفاء على يده في اللحظة والثانية؛ لأن الأثر الملحوظ المفاجئ هو الذي يترك أثرًا في نفس القوم، وقليلون هم الذين يقدرون مجهود الطبيب؛ إن الناس كثيرًا ما يتحدثون عن شفاء كشفاء المعجزات إلا أنهم ينسون أو يخفون الإخفاق الذي قد يقع بسبب عدم تحقيق هذا الإعجاز.
فهذا النطاسي البارع كان كذلك إنسانًا عظيمًا وكان كذلك طبيبًا إنسانيًا، وبالرغم من حرص العالم القديم على أن يكون الطبيب لا طبيبًا فحسب بل على جانب عظيم من الخلق الكريم، فإن الطبيب الشاب كان لا بد من أن يقسم قسم أبقراط وكان يؤدي هذا القسم أمام الإله «بولون» الإله الطبيب، وأمام «إسكلبيوس» و «هيجيايا» و «باناكيا» وجميع الآلهة والآلهات. ويقسم الطبيب كذلك بأن يكون نافعًا مفيدًا وحفيظًا على الأيمان والأخلاق في كل بيت يدخله به