الفلكي فأضاف عن طريق بحوثه العلمية التي لم يسبقه إليها أحد الكثير من النظريات الطبيعة. كذلك عالج اللانهائي الصغر في الطبيعة والرياضة، ولا شك أن أوربا لم تتنبه إلى «مثل» هذه النظريات الخاصة باللانهائي الصغر، أعني الجسم الصغير صغرًا لا نهائيًا إلا في القرن السابع عشر الميلادي بفضل أمثال:«نيوتين» و «ليبنيتز».
أما الفارابي (٨٧٠ - ٩٥٠ م) فقد كان ثاني اثنين أولهما أرسطو عرفتهما الإنسانية، لقد كان الفارابي حكيمًا ورياضيًا عبقريًا وموسيقيًا بارعًا، وقد اشتهر بمجادلاته العلمية مع علماء قصر الخليفة في دمشق، وكان الخليفة يشاركهم الأحاديث ويحضر المجادلات. وقد ألقى الفارابي كثيرًا من المحاضرات حول آلة القانون الموسيقية التي اخترعها هو واستخدمها لتهدئة أعصاب خصومه عندما كانوا يثورون عندما يحمى وطيس المجادلة، كما كان يعد المستمعين بالعزف عليه لتقبل وتتبع المناقشات الأخرى. واهتم الفارابي كثيرًا بالنظريات الموسيقية وبخاصة تلك التي تتصل بالإتلاف والفاصلة. وانتهت به هذه الدراسات التي عنى بها كثيرًا إلى فكرة اللوغاريتمات التي نجد أصولها في بحثه حول أصول الفنون الموسيقية. ومن غير المعقول أن دراسات الفارابي أو نظريات ابن سينا الخاصة باللانهائي الصغر هي التي أدت إلى ظهور مثل هذه الأفكار وتلك الاتجاهات فيما بعد في أوربا إذ لا صلى بين الماضي والحاضر، وحتى لما كاد يخبو الإشعاع العربي فإن العبقرية العربية ظلت ترسل شعاعها إلى أوربا التي كانت آخذه في اليقظة من سباتها العميق، فأوربا عرفت تراث العالم القديم عن طريق العرب فقط فترجمة العرب للمخطوطات اليونانية والشروح التي وضعها العرب عليها والكتب التي ألفها العرب كل هذه كانت العامل القوي في النهضة العقلية الجرمانية وفي تغذيتها، فالعرب بأعدادهم وآلاتهم وحسابهم وجبرهم ونظرياتهم حول المثلثات الكروية وعلوم البصريات وغيرها وغيرها نهضوا بأوربا ودفعوها إلى الحركة العلمية دفعًا، ومن ثم استقلت واكتشفت واخترعت وتسلمت زعامة العلوم الطبيعية.