ابن جابر الحراني المعروف بالبتاني وهو كتاب الزيج الصابئ، شقت كلمة «جيب» الواردة فيه طريقها إلى سائر العلوم الرياضية، ولا سيما فهذا الكتاب قد لاقى شهرة عظيمة لا في الشرق فقط بل في أوربا أيضًا. وكلمة «جيب» العربية هذه ترجمت إلا اللاتينية «سينوس»، ومنها إلى مختلف اللغات الأوربية. وعوضًا عن أوتار الأقواس للمربع الكروي نجد العلماء يستخدمون الجيب من جوانب وزوايا المثلث الكروي. كما عينوا وظائف «جيب التمام» و «المستوى المماس» و «ظل التمام» وحسبوا جداول الجيب وجداول المستوى المماس. ثم نجد الفارسي أبا الوفاء يذكر البتاني ويشيد به ونجح في الوصول إلى طرق أخرى لحساب جداول الجيب، وهذه الطرق تسمح له أن يحسب حتى ثلاث خانات من خانة العشرات العاشرة. وقد بلغ هذا الكشف أوجه على يد فارسي آخر وهو ناصر الدين الطوسي وزير مالية هولاكو. ولم تدرك أوربا هذا التطور أو تخطو به خطوة إلى الأمام إلا بعد قرون. وكذلك نجد التاريخ يعيد نفسه كما رأينا في تاريخ الجبر فمجهودات الفرس التي ختمت اختراعات العرب لم تجد طريقها إلى أوربا ولم تخرج من خارج العالم العربي.
لذلك فأوربا لم تبن صرحها العلمي على مجهودات الفرس بل على المجهودات العربية، فعن الفلكيين العرب أخذت أوربا الحساب المعروف باسم الطريقة الستينية، وهي النظام القائم على اتخاذ الوحدة ستين قسما. وتقسيم الدائرة إلى ستين قسما. وقد ابتدع البابليون هذا التقسيم الستيني للدائرة إلا أنهم لم يبلغوا الحساب الستيني والذي نجده عند اليونان، وقد خلطوا بينه وبين العشري والأعداد العشرية. والعرب فقط الذي استكملوا الحساب الستيني، وبذلك أصبح حساب الفلكيين. والعرب أيضًا هم الذين سبقوا أوربا بنحو سبعمائة عام قبل إنجلترا وألمانيا إلى إيجاد الحساب الخلافي، وصاحبا الفضل في إيجاده الطبيب الفيلسوف ابن سينا (٨٩٠ - ١٠٣٨) واللاهوتي الغزالي (١٠٥٣ - ١١١١) وهما من أبناء فارس. والذي حدث أن ابن سينا تعلم وهو ابن عشر سنوات بينما كان يعمل في دكان تاجر فحم الحساب الهندي، ومن ثم ظهرت عبقريته الرياضية ونبوغه