للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقولون: أتيناهم وهم يُصَلّون، وتركناهم وهم يُصَلّون" (١)).

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

قال النسفي: ({إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} من الحال الجميلة بكثرة المعاصي).

قال البغوي في "معالم التنزيل" (٦/ ١٨٤): (وذكر ابن إسحاق وابن جريج ومقاتل، وبلغوا به ابن مسعود يرفعه قال: ليس من سنة بِأَمَرَّ من أخرى، ولكن الله قسم هذه الأرزاق، فجعلها في السماء الدنيا، في هذا القطر، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم، ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار).

قلت: ويشهد له ما أخرج الحاكم وابن جرير بسند صحيح على شرط الشيخين عن ابن عباس قال: [ما من عام بأكثرَ مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه بين خلقه حيث يشاء، ثم قرأ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: ٥٠] الآية] (٢).

وقوله: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.

أي: فإذا نزل قدر الله بمصيبة قوم فقد وقع عليهم ما قُدِّر ثم لا سبيل لهم للهروب من ذلك الخزي، وليس لهم من وال يلي أمرهم أو ينصرهم.

قال القرطبي: ({وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا} أي هلاكًا وعذابًا، {فَلَا مَرَدَّ لَهُ}. وقيل: إذا أراد بهم بلاء من أمراض وأسقام فلا مردّ لبلائه. وقيل: إذا أراد الله بقوم سوءًا أعمى أبصارهم حتى يختاروا ما فيه البلاء ويعملوه، فيمشون إلى هلاكهم بأقدامهم، حتى يبحث أحدهم عن حتفه بكفه، ويسعى بقدمه إلى إراقة دمه. {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} أي ملجأ، وهو معنى قول السُّدي. وقيل: من ناصر يمنعهم من عذابه).


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٥٥)، ومسلم (٦٣٢)، والنسائي (١/ ٢٤٠)، وأحمد (٣١٢)، و (٤٨٦)، وأخرجه مالك (١/ ١٧٠)، وابن خزيمة (٣٢١)، وابن حبان (١٧٢٨) كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٢/ ٤٠٣)، وابن جرير في "التفسير" (١٩/ ١٥)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، وأقرّه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>