للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسيب عن أبيه أنه أخبره: [أنه لما حَضَرَتْ أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدَ الله بنَ أبي أمية بن المغيرة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك، فأنزل الله تعالى فيه الآية].

وفي رواية: (فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. ونزلت: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}) (١).

فنهى الله تعالى نبيّه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بعد هذه الآية أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا قرابة ورحمًا فضلًا عن أن يحضروا أو يشهدوا جنائزهم، في ذلك أحاديث:

الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [استأذنت ربي أن أَسْتَغْفِرَ لأمي فلم يأذَنْ لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذِنَ لي] (٢).

وفي رواية: [قال أبو هريرة: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمه، فبكى وأبْكَى من حَوْلَه فقال - صلى الله عليه وسلم -: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلمْ يؤذنْ لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذِنَ لي، فزوروا القبور، فإنها تُذَكِّرُكُم الموت].

الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن ابن بُرَيدة، عن أبيه، قال: [كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نحن في سفر فنزل بنا ونحن معه قريبٌ من ألف راكب، فصَلّى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذْرِفان، فقام إليه عمر بن الخطاب وفَداه بالأب والأم، وقال: يا رسول الله، مالك؟ قال: إني سألت ربي - عزَّ وجل - في الاستغفار لأمّي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، وإني كنت نهيتكم


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٣٦٠)، (٤٧٧٢)، ومسلم (٢٤)، والنسائي في "التفسير" (٢٥٠)، وأخرجه أحمد في المسند (٥/ ٥٣٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٩٧٦) - كتاب الجنائز - باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه - عز وجل - في زيارة قبر أمه. وانظر للرواية الأخرى الحديث بعده في الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>