للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقائل أنْ يقول: إذا كان الحقُّ واحدًا متعينًا، فهو الذي أنزله الله تعالى، والحكم بخلافه حكم بخلاف ما أنزل الله.

نعم هو حكم بشيء أنزل الله؛ أنّ الحاكم به يؤجر، ولا يأثم لبذله الوسع في اجتهاده، فكان ينبغي تقريره هكذا، إنما يفسّق أو يكفّر الحاكم بخلاف ما أنزل الله من كلّ وجه؛ لأنّه الذي يصدق عليه إطلاق قول القائل: حَكَمَ بخلافِ ما أنزل الله.

أمَّا الحاكم بما أنزل الله أنّ له أنْ يحكمَ به، وإن لم يحكم به وإنْ لم ينزل المحكوم به، ولم يجعله الحقّ عنده فليس حاكمًا، بخلاف المنزل. أو نقول: هو حاكم بخلافه، ولكن هو معذور لما ذكرناه. والفسق والكفر يختصان بغير المعذور.

والثاني: أنَّه لو لم يكن كلُّ مجتهدٍ مصيبًا، لما جاز للمجتهدِ أنْ ينصِّبَ حاكمًا مخالفًا له في الاجتهاد؛ لأنّه في ظنِّه قد مكَّنه من الحكم بغير الحقّ، وليس كذلك؛ لأنّه جائز بدليل أنّ أبَا بكر - رضي الله عنه - نصّب زيدًا - رضي الله عنه - مع أنَّه كان يخالفه في الجدّ (١) وفي غيره، وشاع ذلك بين الصحابة من غير نكير (٢).

وأجاب: بأن الممتنع إنما هو تولية المبطل؛ أي الذي يقضي بالباطل،


(١) ينظر كلام الحافظ ابن حجر في التلخيص، وفتح العزيز: ٦/ ٤٨٥ - ٤٨٦.
(٢) فكان إجماعًا. ينظر: العدّة: ٥/ ١٥٦٨، والمحصول للرازي: ج ٢/ ق ٣/ ٦٨، والإحكام للآمدي: ٤/ ٢٥١ - ٢٥٢، ونهاية الوصول للصفي الهندي: ٨/ ٣٨٥٥، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: ٤/ ٥٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>