فكأنه قيل: إنهم يزعمون أنهم كاذبون فى هذا الخبر الصادق، وحينئذ لا يكون الكذب إلا بمعنى عدم المطابقة للواقع؛ فليتأمل لئلا يتوهم أن هذا اعتراف بكون الصدق والكذب راجعين إلى الاعتقاد.
(الجاحظ) ...
===
الواو للحال أى: والحال أن ذلك الخبر صادق لمطابقته للواقع فى نفس الأمر فى ذاته؛ لأن الواقع فى نفس الأمر فى ذاته أنه رسول
(قوله: فكأنه قيل إلخ) أى: فكأن الله قال:
إنهم يزعمون أى يعتقدون أنهم كاذبون فى هذا الخبر لكونه لم يطابق فى اعتقادهم، مع أنه خبر صادق لكونه مطابقا للواقع فى نفس الأمر
(قوله: وحينئذ) أى: وحين إذ كان المشهود به كاذبا لعدم مطابقته للواقع فى زعمهم
(قوله: لا يكون الكذب) أى:
المذكور فى هذه الآية
(قوله: إلا بمعنى عدم المطابقة للواقع) أى: بحسب زعمهم واعتقادهم
(قوله: لئلا يتوهم أن هذا) أى: قول المصنف فى زعمهم اعتراف إلخ، وهذا علة للتأمل أى: تأمل كلام المصنف واعرف حقيقة هذا الرد الثالث خوفا من أن تتوهم أن هذا الثالث تأييد لصاحب ذلك القول المردود عليه، فتعترض على المصنف بأن القصد الرد عليه لا لتأييده، ومنشأ ذلك التوهم قول المصنف أو المعنى: لكاذبون فى المشهود به فى زعمهم، فإنه يوهم أن الكذب لعدم المطابقة لزعمهم واعتقادهم، وحاصل الجواب أن المراد أن الكذب لعدم المطابقة للواقع، لكن بحسب زعمهم واعتقادهم فذلك الخبر غير مطابق لاعتقادهم وغير مطابق للواقع بحسب اعتقادهم، فكذبه إنما هو لمخالفته للواقع فى اعتقادهم لا لمخالفته لاعتقادهم كما يقوله النظام.
وفرق بين مخالفة الاعتقاد ومخالفة الواقع بحسب الاعتقاد، وحينئذ فكلام المصنف رد عليه لا تأييد له
(قوله: راجعين إلى الاعتقاد) أى: فيكون كلام المصنف هذا مؤيدا لكلام النظام مع أنه بصدد الرد عليه
(قوله: الجاحظ) هذا لقبه واسمه عمرو بن بحر الأصفهانى وكنيته أبو عثمان، وإنما لقب بالجاحظ؛ لأن عينيه كانتا جاحظتين أى: بارزتين، وهو أحد شيوخ المعتزلة وتلميذ النظام، وله التصانيف فى كل فن، وكان قبيح الشكل جدا، فلذا لما أحضره المتوكل ليعلم أولاده استبشع منظره فأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه، وقال بعضهم فيه: