للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الهجر حتّى ما يلمّ خيال ... وبعض صدود الزائرين وصال (١)

وهذا نوع من الإعراب لطيف لا يكاد يتنبه له إلا الأذهان الرائضة من أئمة الإعراب (وقول أبى الطيب (٢) ومن الخير بطء سيبك) أى تأخر عطائك (عنّى، أسرع السّحب فى المسير الجهام) أى السحاب الذى لا ماء فيه وأما ما فيه ماء فيكون بطيئا ثقيل المشى فكذا حال العطاء، ففى بيت أبى الطيب زيادة بيان لاشتماله على ضرب المثل بالسحاب.

===

أبى تمام يحتمل أن يكون ضمير الشأن، ويحتمل أن يكون عائدا على متعقل فى الذهن، وأما فى بيت أبى العلاء فيتعين أن يكون عائدا على متعقل فى الذهن ولا يجوز أن يكون ضمير الشأن؛ لأن ما بعده لا يصلح للخبرية عنه فهو نظير البيت الأول على الاحتمال الثانى فيه

(قوله: ما يلمّ خيال) ما زائدة ويلم بفتح أوله وضم ثانيه من لمّ يلم كردّ يردّ بمعنى نزل وحصل وضمير يلم للهجر أى: حتى إذا لمّ وحصل من هذا الذى يهجرنا فهو خيال؛ لأنه لعدم الاعتبار به بمنزلة العدم الذى هو خيال

(قوله: وبعض صدود إلخ) أى: إنا لم ننل من الذى هجرنا حتى الصدود؛ لأنا لا نلقاه لا يقظة ولا مناما، والصدود قد يعد وصالا بالنسبة لهذا الهجر

(قوله: الرائضة) أى: المرتاضة والممارسة لصناعة الإعراب

(قوله: ومن الخير بطء سيبك عنّى) أى: لأن بطأه وعدم سرعته يدل على كثرته كالسحاب، فإنه لا يسرع منها إلا ما كان خاليا عن الماء، وأما السحاب التى فيها ماء فإنها بطيئة المشى

(قوله: الجهام) بفتح الجيم كما فى الأطول.

(قوله: ففى بيت أبى الطيب زيادة بيان) أى: للمعنى المقصود وهو أن تأخير العطاء يكون خيرا وأنفع، والحاصل أن البيتين اشتركا فى المعنى وهو أن تأخير العطاء يكون خيرا وأنفع، لكن بيت أبى الطيب وهو المتأخر منهما أجود؛ لأنه زاد حسنا بضرب المثل له بالسحاب، فكأنه دعوى بالدليل إذ كأنه يقول: العطاء كالسحاب فكما أن بطىء السير من السحاب أكثر نفعا من سريعها وهو الجهام، فكذلك عطاؤك بطيئه


(١) البيت لأبى العلاء.
(٢) البيت لأبى الطيب فى ديوانه ١/ ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>