فلولا أنه جعله قمرا حقيقيّا لما كان للنهى عن التعجب معنى؛ لأن الكتان إنما يسرع إليه البلى بسبب ملابسة القمر الحقيقى، لا بملابسة إنسان كالقمر فى الحسن. لا يقال: القمر فى البيت ليس باستعارة؛ لأن المشبه مذكور- وهو الضمير فى غلالته وأزراره-؛ لأنا نقول: لا نسلم أن الذكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة المذكورة، ...
===
التسامح؛ لأنه إنما يتعدى للقميص ويتضمن الدلالة على الأزرار، ولا يتعدى إلى الأزرار والشاعر قد عدّاه إليها
(قوله: فلولا أنه جعله .. إلخ) حاصله: أنه لما خشى أن يتوهم أن صاحب الغلالة إنسان تسارع البلى لغلالته فيتعجب من ذلك؛ لأن العادة أن غلالة الإنسان لا يتسارع البلى إليها قبل الأمد المعتاد لبلاها نهى الشاعر عن ذلك التعجب وبين سبب النهى وهو أنه لم يبق فى الإنسانية، بل دخل فى جنس القمرية، والقمر لا يتعجب من سرعة بلى ما يباشر ضوءه؛ لأن هذا من خواصّه- ومتى ظهر السبب بطل العجب- ولكون ما ذكر من خواص القمر قيل: إن من جملة عيوب القمر أنه يهدم العمر ويحل الدين ويوجب أجرة المنزل ويسخن الماء ويفسد اللحم ويقرض الكتان ويعين السارق ويفضح العاشق الطارق
(قوله: لأن الكتان) أى: الذى كانت منه الغلالة
(قوله: لا نسلم أن الذكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة) أى: لأنه لا ينبئ عن التشبيه، والمنافى لها إنما هو الجمع بين الطرفين على وجه ينبئ عن التشبيه بحيث يكون المشبه به واقعا خبرا عن المشبه كما فى: زيد أسد، أو حالا منه أو صفة له نحو: مررت بزيد أسدا، وجاءنى رجل أسد، فذلك الجمع ينبئ عن التشبيه ضرورة أنه لا يصح صدقه على ما جرى عليه فتقدر أداة التشبيه نفيا لما يلزم من فساد الصدق كما تقدم على ما فيه، وأما إذا ذكر المشبه لا على وجه ينبئ عن التشبيه- كما فى البيت- لعدم جريان المشبه به عليه حتى يسهل تقدير الأداة نظرا للمعنى فهو استعارة، وقد سبق كلّ من هذا البحث وجوابه فى بحث المجاز العقلى، وأنت خبير بأن هذا الجواب يقتضى أن نحو: على لجين الماء استعارة وهم صرحوا بكونه تشبيها إلا أن يقال: تصريحهم بكونه تشبيها لا ينافى صحة كونه استعارة- فتأمل.