لما ذكر لاشتراك الضدين اللذين هما الطرفان هنا فيه فلما اشتركا فيه صح أن يتخيل أن التضاد كالتناسب فينزل منزلته بواسطة أن كلّا منهما مشترك فيه فترتفع الضدية الكائنة بين الطرفين، فإن قلت: إذا كان الاشتراك فى التضاد كافيا فى أخذ الوجه المقتضى لنفى الضدية بواسطة تنزيل ذلك التضاد منزلة التناسب صح أن يقال:
السماء كالأرض فى الانخفاض، والأرض كالسماء فى الارتفاع، والسواد كالبياض فى تفريق البصر، والبياض كالسواد فى عدمه، ونحو هذا مما لم يصح وروده عن البلغاء، وإنما قلنا بصحته ضرورة أن كل ذلك وجد فيه الاشتراك فى التضاد المصحح لتنزيله منزلة التناسب على ما مر.
قلت: اعتبار الاشتراك لتصحيح أخذ الوجه بواسطة التنزيل المقتضى للمناسبة إنما هو لزيادة توجيه الصحة دفعا لاستغراب أخذ المناسبة من التضاد، وإلا فلا يكفى مجرد الاشتراك، وإلا لزم ما ذكر، بل لا بد فى صحة الأخذ من زيادة وجود تمليح أو تهكّم- كما أشار لذلك المصنف بقوله: بواسطة .. إلخ، وما ذكر من هذه الأمور ليس فيه تمليح ولا تهكّم.
(قوله: ثم ينزل .. إلخ) المتبادر أنه عطف على قوله: ينتزع الشبه من نفس التضاد- وفيه نظر، فإن التنزيل سابق على انتزاع الوجه من المتضادين؛ لأن التضاد ينزل منزلة التناسب ثم ينتزع الوجه من الضدين لا أن التنزيل مفرع على الانتزاع كما توهمه عبارة المصنف، وأجيب بأن ثم للترتيب الإخبارى فكأنه قال قد ينتزع الشبه من نفس التضاد، ثم أخبرك أنه ينزل .. إلخ وإن كان التنزيل متقدما على الانتزاع، أو يقال: المراد بالانتزاع قصده أى: قد يقصد انتزاع الشبه من نفس التضاد، ثم ينزل ..
إلخ لا يقال: هذا وإن أفادته جهة الترتيب، لكن لم تقع ثم فى موقعها، إذ المحل للفاء؛ لأنه لا تراخى بين القصد المذكور والتنزيل؛ لأنا نقول كما تكون ثم لتراخى أول المعطوف عن المعطوف عليه تكون لتراخى آخره والتنزيل منزلة التناسب إنما يتم بالتهكم والتمليح- كما أشار له بقوله: بواسطة تمليح أو تهكم فهو من تتمّته فتراخى