فصار مثلا، فأدخلته الزباء فى بيتها وكانت قد ربت شعر عانتها حولا وكشفت له عن باطنها، وقالت له: هذه عانة عروس أو عانة آخذ بالثأر، فقال: بل آخذ بالثأر فأيس من الحياة، فأمرت بشد عضديه كما يفعل بالمفصود وأجلس على نطع، ثم أمرت برواهشه فقطعت وكان قد قيل لها احتفظى على دمه فإنه إن ضاعت قطرة منه طلب بثأره فقطرت قطرة من دمه فى الأرض، فقالت: لا تضيعوا دم الملك، فقال جذيمة:
دعوا دما ضيعه أهله فلم يزل الدم يسيل إلى أن مات، وإنما اختارت هذا الوجه فى موته لأجل اشتفاء غيظها منه باللوم وهو فى سبيل الموت، ثم إن قصيرا أتى إلى عمرو بن سعد وهو ابن أخت جذيمة وقد كان جذيمة استخلفه على مملكته حين سار للزباء فأخبره الخبر وحضه على الثأر، واحتال لذلك فقطع أنفه وأذنيه ولحق بالزباء وزعم أن عمرا فعل به ذلك، وأنه اتهمه على ممالأته لها على خاله يخدعها حتى اطمأنت له وصارت ترسله إلى العراق بمال فيأتى إلى عمرو فيأخذ منه ضعفه ويشترى به ما تطلبه، ويأتى إليها به إلى أن تمكن منها وسلمته مفاتيح الخزائن وقالت له: خذ ما أحببت فاحتمل ما أحب من مالها وأتى عمرا فانتخب من عسكره فرسانا وألبسهم السلاح واتخذ غرائر وجعل شراجها من داخل، ثم حمل على كل بعير رجلين معهما سلاحهما وجعل يسير فى النهار حتى إذا كان الليل اعتزل عن الطريق فلم يزل كذلك حتى شارف المدينة فأمرهم بلبس السلاح ودخلوا الغرائر ليلا، فلما أصبح دخل وسلم عليها وقال هذه العير تأتيك بما لم آتك بمثله قط فصعدت فوق قصرها وجعلت تنظر العير وهى تدخل المدينة فأنكرت مشيها وجعلت تقول:
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا (١)
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثّما قعودا
(١) الرجزان للزباء فى لسان العرب (صرف)، والأول منهما، فى الأغانى ١٥/ ٢٥٦، وخزانة الأدب ٧/ ٢٩٥، وشرح عمدة الحافظ، وبلا نسبة فى أساس البلاغة (وأد)، والثانى: فى تاج العروس (صرف)، وجمهرة اللغة ص ١٢٣٧، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ١٣/ ١٦٣.