للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.

===

الجبهة، ويعنون بالصور المدركة بهذه القوة ما يمكن إدراكه بالحواس الظاهرة، ولو كان مسموعا كصورة زيد المدركة بالبصر، وكرائحة هذا الشىء المدركة بالشم، وكحسن هذا الصوت أو قبحه المدرك بالسمع، وحلاوة هذا العسل المدركة بالذوق، ونعومة هذا الحرير المدركة باللمس، ويعنون بالمعانى الجزئية المدركة للوهم ما لا يمكن إدراكه بالحواس الظاهرة: كالمحبة والعداوة والإيذاء وخزانة الحس المشترك الخيال وهو قوة قائمة بآخر تجويف الحس المشترك تبقى فيه تلك الصور بعد غيبتها عن الحس المشترك، فإذا نظرت لزيد أدركت صورته بالبصر، وتتأدى تلك الصورة للحس المشترك فيدركها، فإذا ما غفلت عنها كانت مخزونة فى الخيال ليرجع الحس إليها عند مراجعتها، وكذا يقال: فيما إذا ذقت عسلا مثلا، أو لمست شيئا، أو سمعت صوتا، فالحواس الظاهرة كالطريق الموصلة إليه.

وأما المفكرة: فهى قوة فى التجويف المتوسط بين الخزانتين تتصرف فى الصور الخيالية، وفى المعانى الجزئية الوهمية، وفى المعانى الكافية العقلية وهى دائما لا تسكن يقظة ولا مناما، وإذا حكمت بين تلك الصور وتلك المعانى، فإن كان حكمها بواسطة العقل كان ذلك الحكم صوابا فى الغالب، وذلك بأن تصرفها فى الأمور الكلية وإن كان حكمها بواسطة الوهم بأن كان تصرفها فى معان جزئية أى: وبواسطة الخيال بأن كان تصرفها فى صور جزئية كان ذلك الحكم كاذبا فى الغالب، فالأول كالحكم على زيد بالإنسانية، والثانى: كالحكم على أن زيدا عدوه، والثالث كالحكم بأن رأس الحمار ثابتة على جثة الإنسان والعكس، وكالحكم على الحبل المرقش بأنه ثعبان ولا ينتظم تصرفها، بل تتصرف بها النفس كيف اتفق، وعلى أى نظام أريد؛ لأنها سلطان القوى فلها تصرف فى مدركاتها، بل لها تسلط على مدركات العاقلة فتنازعها فيها وتحكم عليها بخلاف أحكامها وهى إنما تسمى مفكرة فى الحقيقة إذا تصرفت بواسطة العقل بأن كان تصرفها فى معان كلية، أو تصرفت بواسطة العقل والوهم معا بأن كان تصرفها فى معان كلية وجزئية وأما إن تصرفت بواسطة الوهم وحده بأن كان تصرفها

<<  <  ج: ص:  >  >>