للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.

===

تدرك الكليات والجزئيات المجردة عن عوارض المادة المعروضة للصور وعن الأبعاد:

كالطول والعرض والعمق؛ وذلك لأنها مجردة ولا يقوم بها إلا المجرد، وزعموا أن لتلك القوة خزانة وهى العقل الفياض المدبر لفلك القمر لما بينهما من الارتباط، فإذا كنت ذاكرا لمعنى الإنسان كان ذلك إدراكا للقوة العاقلة، فإذا غفلت عنه كان مخزونا فى العقل الفياض، ووجه تسميته بالفياض وارتباطه بالقوة العاقلة إنهم يقولون: إن ذلك العقل هو المفيض للكون والفساد على جميع ما فوق كرة الأرض من الحيوانات والنباتات والمعادن وهو المعبر عنه بلسان الشرع بجبريل- هكذا زعموا- ويزعمون أيضا أن العقل الفياض المدبر لفلك القمر ناشئ عن عقل الفلك الذى فوقه المدبر له، وهكذا إلى آخر الأفلاك التسع وهى السموات السبع والكرسى والعرش وهى عندهم حية دراكة لها نفوس وعقول، وهناك عقل يسمونه العقل الأول وهو العقل الناشئ بطريق التعليل عن واجب الوجود وهو الذى أثر فى عقل الفلك الأعظم وهو العرش، فالعقول عندهم عشرة كلها مندرجة تحت مطلق عقل.

وأما الوهمية فهى القوة المدركة للمعانى الجزئية الموجودة بشرط أن تكون تلك المدركات الجزئية لا تتأتى إلى مدركها من طرق الحواس، وذلك كإدراك صداقة زيد وعداوة بكر وإدراك الشاة إيذاء الذئب مثلا، ولهذا يقال: إن البهائم لها وهم تدرك به كما أن لها حسا، ومحل تلك القوة أول التجويف الآخر من الدماغ من جهة القفا، وذلك لأنهم يقولون: إن فى الدماغ تجاويف أى: بطونا ثلاثة إحداها فى مقدم الدماغ، وأخرى فى مؤخره، وأخرى فى وسطه فيزعمون أن الوهم قائم بأول التجويف الآخر، ولتلك القوة الوهمية خزانة تسمى الذاكرة والحافظة قائمة بمؤخر تجويف الوهم، فإذا أدركت محبة زيد أو عداوة عمرو، كان ذلك الإدراك بالقوة الواهمة، فإذا غفلت عن ذلك كان مخزونا فى خزانتها وهى الحافظة، فترجع تلك القوة إليه عند المراجعة.

أما الحس المشترك فهو القوة التى تتأدى أى: تصل إلى الصور المحسوسة الجزئية من الحواس الظاهرة فتدركها وهى قائمة بأول التجويف الأول من الدماغ من جهة

<<  <  ج: ص:  >  >>