للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رضاضاً {وباطل} أي: مضمحل {ما كانوا يعملون} أي: من عبادتها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى لأن الاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفة الله تعالى من القلب، والمقصود من العبادة رسوخ معرفة الله تعالى في القلب، فكان هذا ضداً للغرض ونقيضاً للمطلوب.

{قال} موسى عليه السلام مجيباً لهم على سبيل الإنكار عليهم والتعجب {أغير الله أبغيكم إلهاً} وأصله: أبغي لكم أي: أطلب لكم معبوداً {وهو} أي: والحال أنه هو وحده {فضلكم على العالمين} إذ الإله ليس شيئاً يطلب ويلتمس ويتخذ بل الإله هو الذي يكون قادراً على الإنعام بالإيجاد وإعطاء الحياة وجميع النعم فهذا الموجود هو الإله الذي يجب على الخلق عبادته فكيف يجوز العدول عن عبادته إلى عبادة غيره وفي تفضيلهم على العالمين قولان: الأوّل: أنه تعالى فضلهم على عالمي زمانهم إلا ما يخصه العقل من الأنبياء والملائكة، والثاني: أنه تعالى خصهم بتلك الآيات القاهرة ولم يحصل مثلها لأحد من العالمين وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال مثاله: رجل يعلم علماً واحداً وآخر يعلم علوماً كثيرة سوى ذلك العلم فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك العلم في الحقيقة.

{وإذ أنجيناكم من آل فرعون} أي: واذكروا صنعه معكم في هذا الوقت وقرأ ابن عامر بحذف الياء والنون والباقون بإثباتهما وقوله تعالى: {يسومونكم} أي: يكلفونكم ويذيقونكم {سوء العذاب} أي: أشدّه استئناف لبيان ما أنجاهم أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما وقوله تعالى: {يقتلون أبناءكم ويستحيون} أي: يستبقون {نساءكم} بدل من يسومونكم سوء العذاب {وفي ذلكم} أي: الإنجاء أو العذاب {بلاء} أي: نقمة أو محنة {من ربكم عظيم} أي: أفلا تتعظون وتنتهون عما قلتم.

{وواعدنا موسى ثلاثين ليلة} نكلمه عند انتهائها بأن يصوم أيامها، روي أنّ موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله تعالى فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك سأل ربه فأمر بصوم ثلاثين وهو شهر ذي القعدة فصامه فلما تمت أنكر خلوف فمه فتسوّك فقالت الملائكة: كنا نشم منك رائحة المسك فأفسدته بالسواك، وقيل: أوحى الله تعالى إليه أما علمت أنّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فأمره الله تعالى بعشرة أخرى ليكلمه الله بخلوف فمه كما قال تعالى: {وأتممناها بعشر} أي: من ذي الحجة {فتم ميقات ربه} أي: وقت وعده بتكليمه إياه {أربعين ليلة} وقيل: أمره أن يتخلى ثلاثين بالصوم والعبادة ثم أنزل عليه التوراة في العشر وكلمه فيها ولقد أجمل ذكر الأربعين في سورة البقرة وفصلها هنا، وقرأ أبو عمرو وعدنا بغير ألف قبل العين والباقون بألف.

فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} مع أن كل أحد يعلم أنّ الثلاثين مع العشر تكون أربعين؟ أجيب: بأنه تعالى إنما قال: {أربعين ليلة} إزالة لتوهم أنّ ذلك العشر من الثلاثين لأنه يحتمل أتممناها بعشر من الثلاثين كأنه كان عشرين ثم أتمه بعشر فصار ثلاثين فأزال هذا الإيهام.

تنبيه: الفرق بين الميقات والوقت أنّ الميقات ما قدّر فيه عمل من الأعمال والوقت وقت للشيء قدره مقدّر أم لا وقوله تعالى: {أربعين} نصب على الحال أي: تمّ بالغاً هذا العدد وليلة نصب على التمييز {وقال موسى لأخيه} وقوله: {هرون} عطف بيان لأخيه أي: قال له عند ذهابه إلى الجبل للمناجاة: {اخلفني} أي: كن

<<  <  ج: ص:  >  >>