للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: {التي باركنا فيها} أي: بالخصب وسعة الأرزاق وذلك لا يليق إلا بأرض الشأم {وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل} أي: مضت عليهم واستمرّت من قولهم تم عليه الأمر إذا قضي وهي قوله تعالى: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض} (القصص، ٥)

الخ.. والحسنى تأنيث الأحسن صفة للكلمة ومعنى تمت عليهم إنجاز الوعيد الذي تقدّ بإهلاك عدوّهم واستخلافهم في الأرض وإنما كان الإنجاز تماماً للكلام لأنّ الوعد بالشيء يبقى كالشيء المعلق فإذا حصل الموعود به فقد تمّ ذلك الوعد وكمل.

فائدة: رسمت كلمة بالتاء المجرورة ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ووقف الباقون بالتاء وإنما حصل لهم ما ذكر {بما صبروا} أي: بسبب صبرهم وحسبك بها حاثاً على الصبر ودالاً على أنّ من قابل البلاء بالجزع وكله الله تعالى إليه ومن قابله بالصبر وانتظار النصر ضمن الله تعالى له الفرج {ودمّرنا} أي: أهلكنا، قال الليث: الدمار الهلاك التامّ {ما كان يصنع فرعون وقومه} في أرض مصر من القصور والعمارات {وما كانوا يعرشون} أي: من الجنان وما كانوا يرفعون من البنيان كصرح هامان وقرأ ابن عامر وشعبة بضم الراء والباقون بالجرّ وهذا آخر ما قص الله تعالى من نبأ فرعون والقبط وتكذيبهم بآيات الله وظلمهم ومعاصيهم ثم أتبعه اقتصاص نبأ بني إسرائيل وما أحدثوه بعد إنقاذهم من مملكة فرعون واستعبادهم ومعاينتهم الآيات العظام بقوله تعالى:

أي: قطعناه بهم.

روي أنّ جوازهم كان يوم عاشوراء وأنّ موسى عليه السلام صامه شكراً لله تعالى على إنجائهم وإهلاك عدوّهم ومع النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم لم يراعوها حق رعايتها كما حكى الله تعالى عنهم ذلك بقوله تعالى: {فأتوا على قوم} أي: مرّوا عليهم {يعكفون على أصنام لهم} أي: يقيمون على عبادتها، قال ابن جريج: كانت تماثيل بقر وذلك أوّل شأن العجل قيل: كانوا قوماً من لخم وكانوا نزولاً بالرقة، وقيل: كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى بقتالهم. وقرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف والباقون بالضم {قالوا} أي: قال بعضهم لبعض: لإنه كان مع موسى السبعون المختارون وكان فيهم من يرتفع عن مثل هذا السؤال الباطل وهو قولهم: {يا موسى} سموه كما ترى باسمه جفاء وغلظة {اجعل لنا إلهاً} أي: صنماً نعتكف عليه وهذا يدل على غاية جهلهم وذلك أنهم توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى بعدما رأوا الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته وهي الآيات التي توالت على قوم فرعون حتى أغرقهم الله تعالى في البحر بكفرهم وهو عبادتهم غير الله سبحانه وتعالى فحملهم جهلهم إلى أن قالوا لنبيهم موسى عليه السلام: اجعل لنا إلهاً {كما لهم آلهة} وفي ذلك تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة تذكرة لحال الإنسان وإنه ظلوم جهول كنود إلا من عصمه الله {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ، ١٣)

{قال} موسى ردّاً عليهم {إنكم قوم تجهلون} وصفهم بالجهل المطلق وأكده لبعد ما صدر عنهم بعدما رأوا من الآيات العظمى والمعجزة الكبرى لأنه جهل أعظم مما رأى منهم وأشنع.

{إنّ هؤلاء} أي: القوم {متبر} أي: هالك مدمر {ما هم فيه} أي: إنّ الله تعالى يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها

<<  <  ج: ص:  >  >>